بأقلامهم >بأقلامهم
"سبق السيف العذل"
جنوبيات
من المعروف أنّ لدى العرب الكثير من الأمثال التي تحمل في طيّاتها معاني بديعة. فالأمثال لا تُضرب هباء، إذ لكلّ مثل قصّة.
والمثل الذي سنتطرّق إليه هو "سبق السيف العذل"، ويُضرب عند التسرّع في اتّخاذ القرارات وتنفيذها بدون التعمّق في عواقبها والآثار التي ستنتج عنها.
فما هي قصّة هذا المثل؟
تدور أحداث القصّة في إحدى قبائل العرب العدنانيّة الشهيرة والتي يرجع أصلها إلى النبيّ إسماعيل ابن النبيّ إبراهيم عليهما السلام، وهي قبيلة "بنو ضبّة"، حيث كان لضبّة بن أد ابنان هما: سعد وسعيد.
وذات يوم خرج ضبّة ليرعى الإبل ومعه ابناه، وأثناء سيرهم تفرّقت الإبل في كلّ الاتجاهات، فطلب من ابنيه أن يجمعاها ويُحضراها.
تفرّق كلّ من الولدين باتّجاه، وبعد قليل عاد سعد ومعه الإبل، أمّا سعيد فلم يعد. إذ يُروى أنّه قابل في طريقه رجلًا يُدعى الحارث بن كعب، فرأى عليه الحارث بردة (أي عباءة) باهظة الثمن فطلبها منه، بيد أنّ سعيدًا رفض إعطاءه إيّاها، فأقدم الحارث على قتل سعيد وسرق عباءته.
ومرّت الأيّام ولم يسمع ضبّة عن ابنه سعيد أي خبر يريح قلبه. وذات يوم خرج ضبّة إلى السوق لشراء بعض الحاجيّات، وهناك رأى شخصًا يلبس بردة كبردة ابنه، فأوقفه وسأله من أين أتى بالبردة. وكان هو الحارث بن كعب الذي أجاب ضبّة بالقول: "إنّها لغلام قابلته ذات ليلة، فطلبت منه إعطائي البردة فرفض، فقتلته وأخذتها وانصرفت".
أدرك ضبّة حينها أنّه أمام قاتل ابنه، فطلب منه السيف الذي يحمله ليطّلع عليه، فأعطاه الحارث سيفه، فغرزه ضبّة في صدره وأرداه قتيلًا. وما إن رأى الناس هذا حتّى تجمهروا حول ضبّة قائلين: أفي الشهر الحرام تقتل يا ضبّة؟
فأجابهم: "سبق السيف العذل". فصارت هذه الجملة مثلًا يُضرب في التسرّع والفعل الذي لا يُرجى منه لوم ولا عتاب.
فالعذل في اللغة العربيّة هو العتاب واللوم، أي كأنّه قال: "سبق سيفي معاتبتكم".
وعليه، يُقال هذا المثل عند اتّخاذ القرارات المتسرّعة بدون تبصّر ورؤية ثاقبة. والعبرة هنا أن نفكّر كثيرًا قبل أن نقدم على فعل قد نندم عليه لاحقًا.
وصدق من قال: "في التأنّي السلامة، وفي العجلة الندامة".