بأقلامهم >بأقلامهم
الوعد القاتل
جنوبيات
يُروى في سالف العصر والأوان أنّ أحد الملوك عاد إلى قصره في ليلة شديدة البرودة، فرأى أحد الحرّاس (وهو مسنّ) واقفًا بملابس رقيقة.
فاقترب منه وسأله: ألا تشعر بالبرد؟ ردّ الحارس: بلى يا مولاي، والله إنّي أشعر بأنّ البرد ينخر عظامي، ولكنّي لا أملك لباسًا دافئًا يقيني شدّة الصقيع، ولا مناص لي من تحمّل ذلك.
فقال له الملك: سأدخل القصر الآن وأطلب من أحد الخدم أن يأتيك بلباس يقيك برودة الطقس العاصف.
فرح الحارس بوعد الملك، ولكن ما إن دخل الملك قصره حتّى نسي وعده.
وفي الصباح كان الحارس العجوز قد فارق الحياة وإلى جانبه ورقة كتب عليها بخطّ متعرّج، يدلّ على أنّه كان يرتجف بردًا عند الكتابة: "أيّها الملك، لقد كنت أتحمّل البرد كلّ ليلة صامدًا، ولكنّ وعدك لي بالملابس الدافئة سلب منّي قوّتي وقتلني".
إنّه الوعد القاتل الذي يخلق أملًا لا يتحقّق، فيصيب المرء غيلة قد تسلب منه حتّى الروح في لحظة يكون فيها الإنسان في أشدّ الحاجة لحبل النجاة.
وفي نظرتنا للواقع المأساويّ الذي نعيشه اليوم في بلد الحرمان لبنان، كم من الوعود الزائفة تلقّاها الشعب المسكين من سياسيّي الدفاتر الصفراء، وكتب المآسي الحمراء، حتّى أصبح الموت القادم من عالم القهر والخذلان قاب قوسين أو أدنى من الهلاك المقيت على كلّ الصعد والمستويات، ولا من يسأل!