بأقلامهم >بأقلامهم
حقيقة إصدار العملة الفلسطينية 1927
جنوبيات
"باحث متخصص في الطوابع الفلسطينية"
كانت سلطات الانتداب البريطانيّ قد فكّرت بإنشاء نظامِ نقدٍ خاصّ بفلسطين، وذلك في الأول من نيسان/ابريل 1924، بعدما كانت مع بداية احتلالها فلسطين قد أعلنت أن النقد المصريّ نقدٌ قانونيٌّ، وكذلك العملات الذهبيّة الإنكليزية، وأمرت بوقف التداول بالعملة العثمانية، وأكملت خططها بإضعاف الاقتصاد الفلسطينيّ، من خلال السيطرة على مفاصل الاقتصاد وإغراق الاسواق الفلسطينية بمنتوجات تنافس الانتاج الفلسطينيّ الصناعيّ على محدوديّته.
يضاف إلى ذلك توجيه الاقتصاد الفلسطينيّ الخارج من الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وكذلك الصناعة الفلسطينيّة، واستغلالها لتأمين ما أمكن من الاحتياجات البريطانيّة ناهيك عن الزراعة، خصوصاً أن الاقتصاد الفلسطينيّ كان يعتمد كثيراً على الزراعة، فألغت قانون الويركو وضريبة العشرية العثمانية، وسنت قوانين جديدة، منها قانون "ملكية اراضي القرى" وحددت معدلاً عالياً من الضريبة على الأراضي المزروعة والدخل الصافي وعلى نوعية المزروعات، ذلك لإثقال كاهل الفلاحين بالضرائب، لدرجة بات يتعذر معها على الفلاحين دفع الضريبة.
وبعد هذا التمهيد، أمر المندوب السامي بتأليف لجنة للبث في نظام النقد في فلسطين، تكوّنت من أربعة مديري مصارف أجنبية، وثلاثة من موظفي الحكومة، واثنين من العرب، تقوم الحكومة بتعيينهما، وثلاثة من اليهود ترشّحهم اللّجنة الصهيونيّة. رفض الشعب الفلسطيني بكلّ هيئاته ومؤسّساته الوطنية هذا الامر، ورفع مذكّرة احتجاج إلى المندوب السامي بتاريخ 12/4/1924 جاء فيها: "إنّ مشروع الحكومة بوضع عملة للتداول في فلسطين، ضربة قاضية على اقتصاديات البلاد لأسباب كثيرة أهمها فتح الباب أمام المصارف للتلاعب بأموال البلاد تلاعباً يجرّها للخسارة والإفلاس المستعجل، كما هو الحال في سوريا الشمالية".
وعلى الرغم من كلّ الاعتراضات الفلسطينيّة استمرّ المندوب الساميّ البريطانيّ بتجاهل الرّفض الفلسطينيّ، واستمرّت اللجنة في أعمالها، حتى جاء قرار وزير المستعمرات البريطانيّ بإصدار "قانون العملة الفلسطينيّة" وقام بتعيين "مجلس النقد الفلسطينيّ"، اعضاؤه من البريطانيين ومن مهامه أن يُحدث عملة محلية على أساس الجنيه الإنكليزيّ وإصدار العملة والمراقبة، ويكون عنوان المجلس في لندن، وثمّ إصدار قوانين بعدما منحتها "السلطة الشرعيّة" إصدار النقود بالنيابة عن حكومة فلسطين، وعزّزها بعد ذلك بأن عيّن المستر س. س. دافس مدير المالية في حكومة فلسطين رقيباً للعملة فيها.
كانت لهذا الإصرار على تنفيذ إصدار النقد الفلسطيني، أسباب، منها أنه عندما عادت سلطات الانتداب إلى قاعدة الذهب في سنة 1925 أصبحت السندات الإسترلينية قابلة للتحويل إلى ذهب، وقد عادت مصر إلى نظام الذهب في العام نفسه، هذا بالإضافة إلى تخوّف بريطانيا من انفصال مصر عن العملة الاسترلينيّة ومردودها في تمويل نفقات جيوشها في فلسطين ومصر، فلذلك اتجهت إلى سكّ نقود فلسطينيّة يشمل ربطها بالأسترليني. وهكذا مع بداية شهر شباط/ فبراير سنة 1927 صدر مرسوم النقد الفلسطيني، وعلى أثره أعلن وزير المستعمرات استبدال النقد المصريّ بنقد فلسطينيّ .