بأقلامهم >بأقلامهم
توفيق حوري والأمانة
جنوبيات
منذ أيام ودّعت بيروت رمزاً كبيراً من رموز النضال الوطني والعربي الحاج توفيق حوري، ابن طريق الجديدة الأبية العربية، الحاضنة قضايا العرب ورجالها ومناضليها. قيل فيه الكثير، وكتب عنه الوفير. وهو القامة التي اختصرت بقناعاتها وممارساتها أبرز صفات وخصال الرجال. هو الوفيّ لمدينته ووطنه وعروبته. وهو أول من احتضن نضال الشعب الفلسطيني، ثم قام بدور كبير الى جانب الرموز الذين أطلقوا الثورة واستمر حتى يومه الأخير مؤمناَ صابراً عنيداً مربياً أجيالاً بقيت ذاكرتها حيّة وبقي التزامها ثابتاً وقناعاتها راسخة وبوصلتها فلسطين.
توفيق حوري، عاش مع أبناء منطقته ومدينته عروس العواصم العربية، عاصمة مقاومة اسرائيل ومشروعها واستهدافها وحدة لبنان وعروبته ، وشهد مع كثيـرين سـقوط "الأسطورة" الكذبة التي روّج لها كثيرون والإدعاء الذي يقول: "جيش اسرائيل لا يقهر". بيروت برجالها ومقاومتها ومناضليها وشرفائها ووطنييها وفلسطينييها وعروبييها، كسروا هذا الجيش. طردوه. أذلّوه. ومنها انطلقت معركة تحرير كل لبنان من رجس الاحتلال وإرهابه.
غاب توفيق حوري في مرحلة نشهد فيها مشاهد بشعة ليست غريبة عنا على أرض فلسطين من قبل إرهاب العدو الاسرائيلي. لكن البشاعة الأعظم والأكثر إيلاماً ووجعاً، تتجسّد في موقف بعض العرب الذين يهرولون الى هذا العدو الغاصب المتمادي في استهداف وتدنيس المسجد الأقصى والمقدسات الفلسطينية المسيحية والاسلامية كلها، ويندفع في حرب عنصرية خطيرة ضد الفلسطينيين، ويريد قتل ذاكرتهم ومنعهم من حفظ تاريخهم ومن تعليمه والتمسّك بعلمهم. بشاعة ذهاب البعض من العرب الى إنشاد نشيد اسرائيل وهي تدمّر كل شيئ في فلسطين التي كانت ولا تزال معيار وثابت العروبة الأول والأساس. ومع ذلك، وأثناء قيامي بواجب التعزية شهدت ما يفرح القلب ويوازي جهاد ونضال وبطولة شهداء فلسطين وعزّة أهلها وإصرارهم على التمسك بأرضهم وكفاحهم مهما كانت التضحيات.
دفق من البشر يأتي الى الجامعة العربية من أجيال مختلفة ، شبان، وشابات في بدايات عمرهم، كبار وصغار، مهنيون، أطباء، مهندسون، جامعيون، إداريون، موظفون، رياضيون، كتّاب، مفكرون، أدباء، شعراء، مغنون، مؤمنون، رجال دين من طوائف مختلفة. زحف من طريق الجديدة وبيروت الى مقر الجامعة لوداع توفيق حوري. شعرت بغبطة كبيرة. هذه هي طريق الجديدة . هذه هي بيروت العربية الأبية الوفية للنضال الوطني وللعروبة رغم كل ما يجري. هذا بحد ذاته شهادة بتوفيق حوري وشهادة لبيروت ولطريق الجديدة وللجامعة العربية ورسالة الى كل الأحرار العرب الذين لا يزالون يؤمنون بفلسطين قضية مركزية أولى لهم لا أمن ولا استقرار في المنطقة دون حلّها بشكل عادل.
تحية الى روح المناضل الوطني العربي الفلسطيني توفيق حوري، والى بيروت ومنها الى كل فلسطين، الأمانة والالتزام. وأولى المسؤوليات بقاء ذاكرتنا حيّة وإرادتنا صلبة وقوية. هكذا علّم وربّى الراحل الكبير.