بأقلامهم >بأقلامهم
لا نعلم نواياهم وما يضمرون لنا أخيراً أم شرّاً مستطيراً
جنوبيات
العلم هو الأساس لبناء مجتمع إنساني:
العلم هو الكم من المعلومات، التي يتزود بها عقل الفرد، لمعرفة ما هو صائب وما هو خاطئ، انه النور الذي يهتدي به الإنسان، ليصل الى الحقيقة التي يبغى معرفتها، هو الأسس التي تُبنى عليه الحضارة ، لذلك إن المجتمعات التي تهتم بالعلم والمعرفة، هي مجتمعات ترقى بعلمائها وتخطو نحو العلى ونحو المجد، بالعلم نصل الى ابعد ما يمكن الإنسان ان يتخيّله، لذلك من يمشي بخطى ثابتة نحو العلم فهو حتما يغتني بالمعرفة والثقافة، ومهما كانت السبل مسدودة أمام العلم فإن الإرادة الحرة تدفعنا للمثابرة والمضي قدماً بطريق العلم ، واليوم في مجتمعنا اللبناني نتساءل هل اصبحت دولتنا تضرب بسياساتها كل رغبة بسلوك طريق العلم والمعرفة؟ لماذا هذا الإهمال الذي يعانيه القطاع التربوي؟ هل أصبح العلم حكرا على الطبقة الميسورة في ظل الضائقة الاقتصادية التي نعيشها ؟ لما لا يتم البحث عن حلّ جذري يريح الأساتذة والمعلمين ويشعرهم بأنهم هم القوة التغييرية في المجتمع ؟
في الواقع أسئلة كثيرة تدور في فلك القطاع التربوي، حيث المعاناة فالوجع بات أكبر من ان يصل الى حدّ الشك بما آلت اليه الظروف ، وبما وصل اليه البلد من وضع إجتماعي مؤلم ، فالعلماء هم القادة الحقيقيين لإعداد أجيال صالحين في كل زمان ومكان، وهم الذين يرشدون الى الطريق الذي لا بد من سلوكه للوصول الى الحق والعدالة والمساواة والإنصاف ، فهل تنصفهم الطبقة الحاكمة هذا هو السؤال الواقعي؟ انصاف الأساتذة ومنحهم ما يستحقون في مجتمع بات يوشك على الإحتضار من كل الجوانب؟
يدخل البلد أسبوعه الثالث على الإضراب، إضراب المعلمين المفتوح ،لعلّها الوسيلة للوصول الى مستحقاتهم المهدورة، فالبلد يتخبط بالمشاكل الاجتماعية ولا يعرف إمكانية الخلاص منها في كل لحظة، فالدولار غيرمستقرّ، والليرة الى المزيد من الإنهيار، والشعب بات غير قادراً على الإستمرار ، في ظل دولة يتجاهل فيها رؤسائها حقيقة الأمور فإنهم لا يحاولون حلّ الأزمة، بل كل همهم المضي قدما في مناصب السلطة والحكم اللارشيد، حكام غير قادرين على احتواء القطاع التربوي.
اليوم وحتى لحظة كتابة هذه السطور لا يزالون الطلاب قابعين في المنازل ، كأن الأهالي لا ينقصهم سوى بقاء أولادهم في المنازل دون تلقّي أسس العلم ومنهجياته ، فتوصيف الحالة التي نحن عليها أشبه بحرب لكن هذه الحرب هي حرب نفسية، بكل ما للكلمة من معنى فالمعلم او الأستاذ بات محروماً من أدنى حقوقه الإجتماعية والإقتصادية والصحية ، تحديدا هنا الإستشفاء فإذا مرض أحد أفراد أسرته، نراه عاجزاًعن تدبير الوضع ، فالواقع المعيوش بات يسببّ له قهرا وحرمانا اجتماعيا واقتصاديا ، حتى أنه تهديدا لقدرته على تسوية معيشته على سبيل المثال ، يقول احد الأساتذة: " لقد اصبح المعلم أو الأستاذ أمام خيار لا بديل عنه الموت، لأن الدخول الى المستشفيات يحتاج دفعة مسبقة تساوي عمل شهرين على الأقل ، ويحتاج الى بيع المنزل او رهنه للخروج من المستشفى، وفد حصل هذا فعلا احدهم رهن منزله كي يحصل على 70 مليون ليستطيع معالجة والده" .
يبدو ان المسألة لم تقف الى هذا الحد، فالليرة اللبنانية خسرت قيمتها بأكثر من 41 % خلال أسبوع، أي الى مزيد من التصعيد وغلاء المعيشة، والى مزيد من إرتفاع لصفيحة البنزين، هذا الغلاء أحدث أشللاً وعجزا امام هول الوضع، وطلاب الجامعة لم يعد بمقدورهم تحمل اجرة التاكسي، وكذلك الأستاذ الجامعي لم يعد قادرا الوصول الى جامعته كل يوم بسيارته، أي ان الأزمة نسفت الأسس التي يُبنى عليها المجتمع الإنساني، لا وبل هددت الإنسان ليرقى بنفسه ، الى درجة تؤهله العيش برقي وتقدم وتطور، فغذاء العقل هو العلم ونتساءل الى متى هذا الطعن بكرامات البشر ألم يكفهم بما هم عليه ؟ في الواقع سقطوا هؤلاء الحكام من عيون الشعب، وبالتالي ازيحت الثقة ، أي انتهت المسرحية وأُسدلت الستارة لكن أهي مسرحية تعمّق من هوّة الحقوق الاجتماعية والبؤس والحرمان الاجتماعي ، أم انها واقع معاش بيومياته التي لا ينتهي بها الإذلال وقهر المواطنين، حقيقة لا يوجد مرادفات لتصف ظلم الطبقة الحاكمة .
أخيرا ، يبدو ان الإنصاف والمساواة في بلد غابت عنه كل الأسس والدعائم لبنائه، ألا وهو العلم ، فما ينتظر الشعب اللبناني اليوم من تطورات واحداثيات، فالمسألة لا تقف عند هذا الحدّ ، انما قد تتخطى للعودة بالمجتمع الى الوراء، والعودة الى عصر التخلّف والجهل ، فالمساس بحق التعليم هو جريمة إنسانية واخلاقية ، وتأمين حقوق الأساتذة وتسوية أوضاعهم هي جريمة اكبر، لكن من يحاسب ؟
مجتمعنا بات اشبه بمسرحية ابطالها دمى متحركة بأيدي سياسات خارجية ودول أخرى لا نعلم نواياهم وما يضمرون لنا أخيراً أم شرّاً مستطيرا.