بأقلامهم >بأقلامهم
رحل عصمت القواص إلى عالمه الخاص
رحل عصمت القواص إلى عالمه الخاص ‎الخميس 16 02 2023 16:02 خليل المتبولي
رحل عصمت القواص إلى عالمه الخاص

جنوبيات

لا أصدّق أنّ الرجل الجسور القوي والمناضل تركنا في هذه الأيام الصعبة .

لا أصدّق أنّ الرجل الذي كان يبث فينا روح الصلابة والمجابهة الضرورية لمتابعة النضال قد رحل . 
لا أصدق أنّ الرجل الذي كان يحلم في بناء عالم تسوده العدالة الاجتماعية  من أجل الإنسان قد رحل . 
نعم ، لقد رحل عصمت القواص المناضل منذ شبابه ، مع الطلاب ، مع المعلمين ، مع الناس ، وبالعمل المقاوم في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في إطار منظمة العمل الشيوعي ، اعتُقل ، وقاوم اعتقاله بشراسة وقوّة ، خرج وتابع نضاله السياسي والاجتماعي ، وبقي حاملًا هموم الوطن والناس حتى أغمض عينيه .  
أستاذي وصديقي عصمت ، تركتَ كلماتك وأفكارك معلّقة على حيطان صيدا تي في ، وصدى صوتك يتردد في زواياها ، ورائحة تبغك مع فنجان قهوتك ستبقى تخيّم فوق مكتبك الحزين على رحيلك ، الصفحة البيضاء التي تصب فيها أفكارك والتي كنتَ تفسح المجال لأفكارنا أن تشاركك دبّ فيها الصقيع ، وقلمك تجمّد رعبًا على رحيلك ، المعاني والمفردات الثورية التي كنتَ تدقها وتنشر السحر فيها جفّ دمها ، بقعة الضوء الجميل التي كنتَ تنيرها بحماسك النضالي الثوري تعتّمت ، والتفتّ لتخاطب سواد الموت ... 
كأنّك برحيلك اليوم ، قد أطفأتَ الضوء ، وأسبلتَ عينيك كأنك تمنع نظرك عن رؤية ما يحدث من دمار وفوضى في هذا البلد ، ليس يأسًا أو استسلامًا ، بل قرفًا واشمئزازًا لما وصل إليه الواقع السياسي ، رحلتَ دامع العينين ، محزون القلب ، وأعلنتَ أنّ مملكتك ليست من هذا العالم الذي يشبه الوعاء الصدئ الذي يطفح بالوساخة وبالخيبات ، وأيقنتَ برحيلك أنّ عالمك ليس من هذا العالم .
أستاذي وصديقي عصمت ، لا بدّ أن يأتي يوم الفرح الحقيقي ، إنما ستكون أنت خارج المشهد ، وأغلب الظن أنّ جيلنا سوف يخرج من المشهد أيضًا قبل أن يأتي الفرح ، لكننا سنظل على العهد ، وعلى ما زرعته فينا من نضال وصمود وجسارة وقوة تغيير ، ستظل دائمًا ملهمًا لنا ، وستظل ذلك المثقف المثال صاحب الموقف الوطني الشريف الناصع البياض .

المصدر : جنوبيات