بأقلامهم >بأقلامهم
هزّة بدن في هذا الوطن!
هزّة بدن في هذا الوطن! ‎الثلاثاء 21 02 2023 14:28 خليل المتبولي
هزّة بدن في هذا الوطن!

جنوبيات

كل يومٍ في هذا الوطن، هناك هزّة بدن، مترافقة مع هزّاتٍ طبيعية، وليس هناك أي شيء طبيعي في هذا الوطن، دمار مزلزل على كل الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأرضية... لقد أصبحنا محرومين، مقهورين، منسحقين، مرفوضين، منبوذين، لم يعد هناك طبقات في المجتمع سوى الطبقة السفلى، القهر واقف في كل زاوية، والعذاب متربص عند كل مفترق، الفرح لم يعد له طعم، والابتسامة غادرت مكانها، والموت مترقب ومفتوحة شهيته.

نكاد نختنق أربعًا وعشرين مرة في اليوم، أينما نذهب نجد هزّة البدن في انتظارنا، تطبق علينا وتلغينا، هزّة البدن في كلّ مكان، في البيت، في الشارع، في المؤسسات الحكوميّة، في المدرسة، في الجامعة، في الوظيفة، في الطبيعة... وإن خصّصنا أكثر نرى هزّة البدن في المياه، والكهرباء، وانهيار الليرة، وارتفاع الدولار، وفي البنزين والمازوت، والسكر والأرز، والسمنة والزيت، والمعكرونة والشعيرية... نراها في مقومات عيشنا كافة ، حتى في الطبيعة التي لم نعد نفهمها كل يوم بعد يوم تتزلزل وتهزّ أبداننا.
لقد اعتدنا الرعب ، الوطن يموت ، ونحن مكبّلون لا نستطيع أن نقف في وجه هزّات البدن ، لم يعد لنا حَيْلٌ أن نتظاهر أو نبرق احتجاجًا ، أو نحرّض بعضنا على الصراخ ، أو نفعل أي شيء ، وكأننا قدّمنا استقالتنا من النضال ، ودخلنا في اليأس والاستسلام ، وانزوينا في ركن قصي من حياتنا ، وتجرّدْنا من الحميّة ، وانطفأت في وجوهنا وقلوبنا شعلة الثورة والنضال . 
نغرق جميعنا في صمتنا ، تنزرع صور الخمول في عيوننا ، نجلس فاتحين أفواهنا ، كالماء المجلّد وجوهنا ، صمتٌ يمتزج في أرواحنا ، فقدنا الثقة في كل ما حولنا ، وفي بعضنا ، وفي ذاتنا ، أصبح العجز مطبقًا . لا يزال الليل طويلًا والغد بعيد ، حياتنا أصبحت معقّدة ، وهزّات البدن منتشرة في الأرض العجيبة والغريبة ، كل واحد منّا ينتمي إلى الجوع والعطش والدمار والهلاك المنسكب في أسئلة الوجود ، وفي جحيم أيامنا . 
دخلنا في اختناق بارد اليقين، وفي موت الوطن الواقع على هزّات البدن، كلنا نعرف ذلك، ونراه أمامنا يحتضر، يلفظ أنفاسه الأخيرة على حسرة خلاصنا. على حدّ السيف أصبحت حياتنا. إننا نعيش حالة لا يمكن وصفها، حالة لا يعرف عنها أحد سوى الله، إلى متى سنبقى نؤجّل الانفجار؟ إلى متى سنبقى قادرين على معايشة المعاناة والقهر والعذاب والتمزّق؟ إلى متى سنبقى نتحمّل هزّة البدن؟

المصدر : جنوبيات