بأقلامهم >بأقلامهم
اللواء إبراهيم: المحارب بالقوّة الناعمة.. 3/1: كواليس التفاوض المعقدة من أعزاز إلى واشنطن
الخميس 23 02 2023 08:47
مارلين خليفة
جنوبيات
تنطوي مسيرة مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم منذ تسلمه لمهامه في 18 تموز 2011 على انجازات أمنية وسياسية ودبلوماسية عدّة وترفدها مآثر انسانية غير مألوفة لدى قطب أمني.
وظّف اللواء المغوار طاقاته العسكرية والأمنية وقدراته السياسية وعلاقاته الدولية من أجل خير الإنسان والوطن، في انصهار نادر بين شخصية المحارب والأمني والدبلوماسي.
«نجتمع اليوم من أجل صديق ساعدنا بسخاء في الأوقات العصيبة عبر تفانيه الاستثنائي من أجل انقاذ أطفال ونساء بؤساء وانتشالهم من براثن الجحيم في مخيمات الحرب السورية، وكما درجت الشاعرة الأميركية مايا أنجيلو على القول: «إن البطل هو ذاك الشخص الذي يقصد فعليا جعل العالم أفضل من أجل الناس أجمعين». ليس من تصوير أدق من ذلك في ما يخص اللواء عبّاس إبراهيم، الموجود اليوم بيننا، وأريد أن أشكره لمجيئه من خلال كلمات الشاعرة».
هكذا يستعين زعماء في بلدانهم مثل رئيس وزراء البانيا إيدي راما الذي خصّ اللواء إبراهيم بأرفع وسام الباني في تشرين الاول 2021 بالشعراء لإيفاء المسؤول الأمني اللبناني حقه. في خطابه يصف راما إبراهيم بأنه يشبه «الوالد المجهول للالبان» نظراً لقيادته الرفيعة المستوى لعمليات تحرير واسترجاع عدة أطفال ونساء من مخيم «الهول الشهير»، حيث شكّل اللواء إبراهيم «نقطة الارتكاز من دون أن ينتظر شيئاً في المقابل، مهتماً فقط للمصلحة الانسانية من أجل اعادة أولئك الأشخاص المنكوبين واخراجهم من الجحيم» بحسب تعبير راما.
لقد كانت الأعوام الـ43 منذ انضوى الشاب عباس إبراهيم في السلك العسكري في الجيش اللبناني وانتقل منه إلى الأمن العام شاقة.
عمل في ظروف شديدة التعقيد محلياً واقليمياً ودولياً وسط حروب المنطقة وخصوصاً حروب سوريا والعراق واليمن والقضية الفلسطينية المستعرة وأطماع «إسرائيل» بالثروات اللبنانية وتزعزع الاستقرار اللبناني نتيجة الانهيار الاقتصادي والمالي في العام 2019، الذي عمّقه انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
«الأمني النظيف»
خلال هذه الأعوام كلها، استحق اللواء إبراهيم لقب «الأمني النظيف» لأنه سخّر الأمن لخدمة المواطن، وبرع في الوقت عينه في أن يكون سياسياً ودبلوماسياً يتقن فنون «القوة الناعمة»، وكأنه أبرم ميثاقاً بتحويل اشد الظروف قساوة إلى فرص، جامعاً بين عمله الأمني ومساعدة الانسان، وكأنه يطبق حكمة للدالاي لاما يقول فيها: «إنني ككائن بشري اعترف بأن سعادتي تتوقف على الآخرين، وأن الاهتمام بخير الآخرين وسعادتهم مسؤولية أخلاقية أتحملها بكلّ جدّ، إذ من غير الواقعي أن تفكر أن مستقبل البشرية يمكن تحقيقه بالصلوات والتمنيات الطيبة فحسب، ما تحتاجه هو القيام بالعمل، لذلك فإن التزامي الأول هو الاسهام في اسعاد البشر بقدر ما استطيع».
في هذه السيرة الصحافية، نستكشف محطات لم ترو سابقا من كواليس العمل التفاوضي والأمني والسياسي الذي قاده اللواء إبراهيم طيلة عقد وأكثر في الأمن العام اللبناني، ما حوّله إلى «مواطن عالمي»أيضاً بفعل الشهرة التي بثتها أعماله، وأحيط إسمه بهالة من الاحترام والتقدير وخصوصاً في ما خصّ فكّ الظلم عن رهائن منسيين وسط حروب أمنية وعسكرية دامية تطحن البشر والحجر ولا تترك لحقوق الانسان حيزاً.
سنكشف بضع أوراق من دوره المحوري في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و»إسرائيل»، ونضيء على علاقته مع السوريين وكيفية اسهامها في مكافحة الارهاب المتطرف في لبنان والإقليم والدول الغربية.
ونستعرض جوانب من المفاوضات الحادّة لتحرير مخطوفين مع «جبهة النصرة» وخططه المستقبلية للأمن العام اللبناني.
نستكشف في حلقات ثلاث كيف أفضت المحطات الصعبة التي مرت على اللواء إبراهيم إلى شحذ شخصيته كقائد صاحب رؤية هادئة وجعلته يرى أن أعقد القضايا قابلة للحل.
تستحق مسيرة اللواء إبراهيم الثرية والمتشعبة والمديدة في الأمن العام اللبناني الرواية وتدوين جوانب توثق مقاربته لتحولات الجهاز ومساعيه لانهاضه، وخصوصاً وأن اللواء إبراهيم عايش في غضون 12 عاماً حوادث ثقيلة على المستوى العام، ولكن أيضاً على المستوى الشخصي بعد أن طاولته أسهم الشائعات والأخبار المضللة على أكثر من صعيد، كونه نجح في أن يكون أحد نجوم الحياة العامة في لبنان إلى جانب ترسيخ دوره الأمني والسياسي والدبلوماسي محلياً واقليمياً ودولياً ولأنه مفاوض صلب لم تبتلعه الاغراءات الدولية.
لم ينتمِ اللواء عباس إبراهيم المولود في 2 آذار من العام 1959 في بيروت يوماً إلى الأحزاب، تربّى في كنف والده كاظم إبراهيم ووالدته شفيقة مكي، وهما أبعدا أبناءهما الـ4 وابنتهما الوحيدة من مناخ الأحزاب.
هكذا أمضى عباس، وهو ثاني أشقائه حياته في الدراسة منتقلاً في سن مبكرة إلى الكويت، حيث عمل والده ليعود في سن السادسة ويكمل دراسته الابتدائية في مدرسة «الصادق العاملية»، ثم انتقل إلى ثانوية رأس النبع وعاش معظم وقته في بيروت ممضياً العطل في بلدته كوثرية السياد - قضاء صيدا.
بعد انهائه المرحلة الثانوية من الدراسة دخل إلى الجامعة اللبنانية، حيث تخصص بالعلوم الاجتماعية، ثم تلقى دروساً في الانكليزية في الجامعة الأميركية في بيروت، ليدخل في سن الـ18 إلى المدرسة الحربية.
كان عباس إبراهيم يشعر بمحبة عميقة للجيش لما يمثله من عنفوان، يشبه إلى حدّ بعيد شخصيته المتحررة والمتفلتة من القوالب التقليدية، حتى أنه كان دوماً يقود صفّه، ولم يثنه استشهاد شقيقه محمد من الانضواء في المؤسسة العسكرية بالرغم من معارضة أهله وخصوصا والدته التي رفضت الفكرة وحاولت إبعاده منها دون جدوى.
كان جيل والده متحفظاً تجاه الأحزاب ولا يحبذها، فتربى في مناخ عزز انتماءه الوطني، وتأثر بكتابات الأديبين اللبنانيين جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وقرأ موسوعاتهما كلها.
نقل عباس ابراهيم هذه التربية الوطنية إلى حياته العسكرية سواء في الجيش أو إلى المديرية العامة للأمن العام وهي موضوع هذا التقرير.
تقدير وتحية لضباط الأمن العام
إثر تعيينه مديرا عاما للأمن العام اللبناني في 18 تموز من العام 2011، حرص اللواء إبراهيم على أن تنتقل معه ثلّة من ضباط الجيش اللبناني باتوا معاونيه اللصيقين في المهام الشاقة التي ستواجهه وخصوصاً مع اندلاع الحرب في سوريا في آذار من العام 2011، نشأ جراء ذلك شعور لدى البعض بأنه لا يثق إلا بالمؤسسة العسكرية الأم - أي الجيش اللبناني. إلا أن اللواء إبراهيم، يحرص في أحاديثه العلنية والخاصة على نفي أي تشكيك بقدرات طاقم الأمن العام اللبناني، واصفاً إياها بـ«العريقة» إذ تضم خيرة الضباط والعناصر والموظفين، ويرى بأن المستوى العلمي الموجود لدى ضباط وأفراد الأمن العام اللبناني هو الأعلى مقارنة ببقية الأجهزة الأمنية، حيث أن معظم ضباط الأمن العام هم خريجي كلية الحقوق بالحد الأدنى. إن النقص في العديد هو الذي حدا به إلى إحاطة نفسه بضباط الجيش اللبناني مع العلم بأن عديد الأمن العام اللبناني ارتفع في عهده من 3500 ضابط ورتيب إلى 8 آلاف.
الأمن الاستباقي يلاحق الشبكات الارهابية
مهّد اللواء إبراهيم لعمله في الأمن العام اللبناني بإنشاء وحدة لمكافحة الارهاب خاضت مهاماً عدة ولمّا تزل بالرغم من الظروف.
في عهده، تمّ تفكيك الكثير من الشبكات الارهابية بوجهيها - أي الارهاب المتطرف والارهاب الاسرائيلي. فأدخل اللواء ابراهيم مفهوم الأمن الاستباقي إلى الأجهزة اللبنانية، وكانت العملية الأولى في هذا الاطار هي عملية فندق «الديروي» في الحمرا، حين اقتحم عناصر الأمن العام اللبناني غرفة تأوي ارهابيين قاموا بتفجير انفسهم بالغرفة وذلك في العام 2013. وبعدها كرّت سبحة العمليات الاستباقية فأحبطت المديرية العامة للأمن العام اللبناني بقيادة اللواء إبراهيم 61 مخططاً لارهابيين متطرفين قبل وقوعها اعتباراً من العام 2011. أما عدد المخططات الارهابية التي كانت تنوي شبكات تجسس اسرائيلية القيام بها فبلغ مجموعها منذ العام 2011 قرابة الـ8 بحسب الأرقام الرسمية للأمن العام اللبناني، مع ضرورة التنبيه إلى أن هذه العمليات الاستباقية حقنت دماء آلاف الأبرياء في لبنان.
في هذا السياق، تخلّد العملية التي ألقي خلالها القبض في العام 2014 على أحد أبرز الرؤوس الارهابية شادي المولوي سريان مفهوم الأمن الاستباقي الذي ادخله اللواء إبراهيم إلى فلسفة العمل الأمني اللبناني، وتبنّتها بقية الأجهزة اللبنانية. أدّت عملية إلقاء القبض على المولوي إلى مدّ وجزر وتدخلات سياسية وعملية «تهريب» للمولوي وحملات عدة طاولت الأمن العام اللبناني ومديره، في حين أثبتت السنون دقة معلومات هذا الجهاز، إذ أن المولوي ملاحق اليوم كإرهابي، ومن غير المعروف لصالح أي تنظيم ارهابي يعمل.
ملحمة التفاوض لاطلاق مفقودين ومحتجزين
بعد نجاح اللواء إبراهيم في تحرير الحجاج اللبنانيين الذين خطفتهم «جبهة النصرة» في منطقة أعزاز التابعة لمحافظة حلب في سوريا في العام 2012 والاتصالات الاقليمية التي تطلبها هذا العمل التفاوضي الشاق بين قطر وتركيا وسوريا ولبنان، بزغ نجم اللواء إبراهيم في المجال التفاوضي: تمكّن من اقناع الجانب السوري تسليم جثامين ثلاثة لبنانيين وفلسطيني قتلوا في العام 2012 في كمين للقوات الحكومية السورية في بلدة تلكلخ السورية (محافظة حمص)، حين كانوا في طريقهم للانضمام إلى صفوف المعارضة المسلحة، وفي هذا السياق أعاد اللواء إبراهيم، حسان سرور (من طرابلس) أحد المقاتلين اللبنانيين الذين انضموا إلى صفوف المعارضة السورية المسلحة إلى لبنان بعد وساطته مع الدولة السورية، وإثر مناشدة والدة سرور له، فعاد إليها نجلها في آذار 2013 يوم عيد الأم.
نجح بتحرير راهبات دير «مار تقلا» الأرثوذكسي في بلدة معلولا بالقلمون شمال دمشق في العام 2014، وأيضاً في فكّ أسر 17 عسكرياً لبنانياً من قوى الأمن الداخلي من يد «جبهة النصرة» وذلك في العام 2015 في عملية تبادل أعقبت مفاوضات شاقة وذلك في محيط بلدة عرسال، ثم تمكن من استعادة جثامين 8 جنود من الجيش اللبناني قتلهم تنظيم «داعش» الارهابي.
انتقل اللواء إبراهيم إلى ملف تحرير الرهائن الأجانب من سام غودوين السائح الأميركي الذي فقد في سوريا، إلى الرحالة الكندي كريستيان لي باكستر الذي فقد أيضاً في سوريا، وصولاً إلى تحرير رجل الأعمال الأميركي اللبناني نزار زكا من السجون الإيرانية، والأطفال والنساء الألبان الذين أسهم اللواء إبراهيم بخروجهم سالمين من مخيمي «الروج» و«الهول» في سوريا، إلى العديد من العمليات تمّ فيها تحرير أجانب من جنسيات مختلفة ورفض اللواء إبراهيم أن تظهر على الاعلام.
ذاع صيت اللواء إبراهيم في عمليات تحرير الرهائن الأجانب نظراً إلى شبكة علاقات واسعة نسجها مذ كان مساعداً لمدير المخابرات في الجيش اللبناني ومع السفارات الأجنبية، وبعد عملية تحرير مخطوفي أعزاز صار الملحقون الأمنيون الغربيون يقصدونه للمساعدة كلما فقدوا مواطناً لهم في الشرق الأوسط، فكان اللواء إبراهيم يسهل مهامهم أو يستعيد أشخاصاً مفقودين بفضل علاقاته ونجح في عدة عمليات على المستوى الغربي تحدث عنها الاعلام وخصوصاً إبان زيارتين رئيسيتين للواء إبراهيم إلى الولايات المتحدة الأميركية في 2020 و2022.
كشفت صحيفة «الواشنطن بوست» الأميركية في تقرير نشرته في 26 أيار 2022 أن «رئيس المخابرات اللبنانية اللواء عباس إبراهيم التقى بمسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن للبحث في تأمين اطلاق سراح ستة أميركيين محتجزين أو مفقودين في سوريا ومن ضمنهم الصحافي المستقل (وأحد أعضاء البحرية الأميركية السابقين) أوستن تايس الذي كانت له مساهمات كتابية في «الواشنطن بوست».
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس بأن إبراهيم التقى المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن روجر كارستنز.
صادفت هذه الزيارة بحسب الصحيفة ذاتها زيارة أولى في أقل من عامين للواء إبراهيم بدعوة من البيت الأبيض الذي طلب مساعدته في تحديد مكان المفقودين الأميركيين. هدفت رحلته السابقة في تشرين الأول 2020 إلى تعزيز التفاوض مع الحكومة السورية بمبادرة من الرئيس دونالد ترامب للمساعدة في تأمين الافراج عن الأميركيين.
في وقت سابق من ذلك العام زار اثنان من كبار المسؤولين الأميركيين وبينهم كارستنز دمشق بوساطة مباشرة من اللواء عباس إبراهيم وبحضوره وقاما بمباحثات سرّية مع رئيس وكالة الاستخبارات السورية حول مصير تايس، ما شكّل أول محادثات رسمية بين البلدين منذ العام 2012.
في العام ذاته، ساعد كبير خبراء التجسس اللبنانيين في تأمين إطلاق سراح رجل الأعمال اللبناني المقيم في الولايات المتحدة نزار زكا الذي احتجز في الجمهورية الإسلامية ألغيرانية في العام 2015 بتهمة التجسس لصالح الأميركيين.
في زيارة سابقة لواشنطن، حيث التقى أيضاً بوالدي أوستن تايس، حاز إبراهيم جائزة «منظمة جيمس فولي الدولية لحرية الرهائن» لدوره في تحرير زكا وباكستر وغودوين. قبل أن يطلب منه البيت الأبيض حالياً، كذلك والدا تايس أن يستخدم مهاراته في التفاوض من اجل تحرير أوستن.
لم يقم اللواء إبراهيم بالتواصل مع أية جهة غربية عارضاً عليها المساعدة، كانت الطلبات تصله دوماً من الجهات المعنية.
تحرير الأميركي سام غودوين
في قضية الرحالة سام غودوين، لم يكن أهله يعرفون عنه شيئاً، ولما كان إسم اللواء عباس إبراهيم قد اكتسب شهرة عالمية، اتصلوا بضابط متقاعد في الجيش اللبناني يعيش في شيكاغو ويعلم في الجامعة يدعى جوزف عباس، قصده الأهل طالبين منه «الاتصال برفيقه عباس إبراهيم الذي يمكنه أن يساعدنا في الشرق الأوسط»، وقالوا له أنه: «بعد اتصالاتنا مع الـ»أفي بي آي» والأجهزة الأميركية لم يفدنا أحد بمصير ابننا». اتصل الضابط المتقاعد جوزف عبّاس، باللواء إبراهيم، وسأله عن امكانية مساعدته لأهل سام غودوين. فجاء الجواب: أجرّب.
قصد اللواء إبراهيم سوريا، وسأل عن سام غودوين، أرجأ السوريون الاجابة للزيارة الثانية وكان الجواب ايجاباً، وأن حالته جيدة ويعيش في السجن وقد تمّ توقيفه على أنه جاسوس لأنه دخل إلى سوريا من جهة المداخل غير الشرعية.
أرسل اللواء إبراهيم هذه المعلومات عبر جوزف عباس إلى أهل غودوين. فعاد الأهل، وطلبوا من صديقهم المشترك أن يطلب من اللواء إبراهيم تحرير ولدهم واعادته اليهم.
عاد الرجل واتصل باللواء إبراهيم وسأله المساعدة بإسم أهل غودوين، فقال اللواء له: بأنه سيبذل جهده لاستعادته. وبعد مفاوضات استمرت شهرين، وافق السوريون على تسليمه للواء إبراهيم وتمّ تحديد تاريخ، اتصل أثناءها اللواء إبراهيم بجوزف عباس، وطلب منه أن يدعو أهل سام غودوين للمجيء إلى مكتبه في المديرية العامة للأمن العام اللبناني. وصلت والدة سام غودوين ووالده وجوزف عباس من الولايات المتحدة الأميركية مباشرة إلى مكتب اللواء إبراهيم، الذي كان قد أرسل إلى دمشق دورية لجلب الشاب الأميركي، وتأخرت الدورية بالعودة. وبعد عودة اللواء إبراهيم من موعد، جلس مع العائلة، وفجأة يدخل الابن سام إلى المكتب، حيث كان مشهد مؤثر.
من بعد تحرير سام، تواصلت مع اللواء إبراهيم سفيرة كندا لتحرير مواطنها كريستيان لي باكستر من سوريا وهذا ما أتمّه اللواء إبراهيم بنجاح.
طلب من القطريين إعادة مخطوفي أعزاز!
لم يخضع اللواء إبراهيم يوماً لابتزاز بهدف إنجاح عملية تحرير لرهائن، رافضاً الإساءة إلى مصداقيته.
في موضوع أعزاز، في اللحظة الأخيرة كان تم الاتفاق على تبادل المخطوفين مع سجناء في السجون السورية، طرأ أمر ما في اللحظة الأخيرة، جعل الجانب السوري يتردد في عملية تنفيذ عملية اطلاق سراح النساء المتطرفات أو يؤجله. ولأن اللواء إبراهيم كان أعطى الجانب القطري التزاماً بالوقت والتاريخ ليتم اطلاق سراحهم، وبعد أن علم بالرغبة السورية بالتأجيل، انطلق برحلة مكوكية على متن طائرة خاصة من تركيا إلى بيروت، ثم استقل سيارة من بيروت إلى دمشق، ثم عاد برّا من العاصمة السورية إلى مطار بيروت ليستقل الطائرة مرة جديدة إلى اسطنبول، كل ذلك في غضون ساعات، ولما وصل إلى اسطنبول التقى بوزير الخارجية القطري وطلب منه ابلاغ الامير عن لسانه أن يعيد اللبنانيين إلى الارهابيين، وكان هؤلاء قد اصبحوا في عهدة الأجهزة التركية. ولمّا سأله وزير الخارجية عن السبب قال له اللواء إبراهيم بأن الجزء المتعلق بالأخوة بسوريا سيتأجل، وبالتالي أنا لم أعد أريدهم، إما أن أنفذ التعهد الذي قدّمته بشقيه أو ألغيه ولو كنت متضرراً وذلك حفاظاً على مصداقيتي. حكى وزير الخارجية مع أمير قطر، وجرت اتصالات على مستوى عالٍ وتمّ اطلاق المخطوفين، نفّذ اللواء ما أراده وتمت العملية بنجاح وعاد المخطوفون إلى لبنان.
كاد يعيد راهبات معلولا أيضاً لخاطفيهم!
قاد اللواء إبراهيم عملية تحرير راهبات معلولا بالعقلية ذاتها متنقلاً بين الحدود اللبنانية السورية. وكان ثمة ضباط في الميدان ينتظرون استلام الراهبات، في اللحظة الأخيرة وقبل قرابة النصف ساعة على انتهاء العملية، أبلغه الضباط بأن الارهابيين يفرضون شروطاً جديدة، ولما أخبروه، طلب اللواء إبراهيم مغادرة عرسال وترك الراهبات، والتراجع عن كل الوعود، لأنكم أنتم (أي الارهابيين) من ابتدأتم بالخربطة.
ترك الضابط المكلف المكان، وقد أبلغه اللواء إبراهيم أن هؤلاء سيعاودون التواصل معه في غضون ربع ساعة، أغلق اللواء إبراهيم خطه معلناً انتهاء التفاوض وأبقى الضابط المعني خطّه مفتوحاً، وعلى اتصال مع اللواء إبراهيم على خطّ خاص. عاد الضابط المسؤول عن العملية ميدانياً أدراجه بعد تلقيه اتصالاً يفيده بتراجع الارهابيين عن مطالبهم وتمت الصفقة.
يروي أحد الضباط المعاونين له في مهامه بأن اللواء إبراهيم يسهر الليالي، ولا ينام وهو يعمل في المكتب أو ينزل إلى الميدان، فحين قيامه بالوساطة لتحرير العسكريين اللبنانيين من براثن «النصرة» و«داعش» كان يمكث أحياناً في جرود عرسال.