فلسطينيات >داخل فلسطين
"قانون إعدام الأسرى" .. العنصرية الاسرائيلية في أقبح صورها
الثلاثاء 28 02 2023 19:49إيهاب الريماوي
"هذا القانون لا يردع الفلسطينيين، لأننا شعبٌ مقاوم، فلما قلنا فدائي فدائي.. فهذا يعني أننا نفدي وطننا بأرواحنا"، يقول الأسير السابق كريم يونس الذي أمضى 40 عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي في تعليقه على مصادقة اللجنة الوزارية الإسرائيلية في السادس والعشرين من الشهر الجاري على مشروع قانون يجيز إعدام أسرى فلسطينيين.
كريم يونس الذي صدر بحقه حكم الإعدام بعد اعتقاله عام 1983، وجرى لاحقاً تعديل الحكم إلى المؤبد، يشير إلى أن هذا القانون يمكن أن يتم إقراره، لكنه يفتقد لآلية للتنفيذ، كما حصل معه ومع رفيقه وابن عمه ماهر يونس، ومحمود حجازي (أول أسير في الثورة الفلسطينية المعاصرة)، وموسى جمعة، وموسى منصور، وغيرهم، حيث حكموا بالإعدام جميعاً.
لم ينفذ أي حكم ٍمنها، لأسباب قيل وقتها وفي حالة كريم يونس تحديداً بأنها أمنية وسياسة، حيث قال قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إن عدم تنفيذ حكم الإعدام يأتي لوجود أسرى جنود لدى الفدائيين الفلسطينيين.
ويعتبر مشروع قانون إعدام الأسرى، وفق وزير العدل محمد الشلالدة، جريمة حرب دولية يعاقب عليه القانون، لأنه يعتبر مخالفاً لاتفاقية جنيف السادسة والرابعة لعام 1949، وللبروتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف لعام 1977، وانتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، وحقوق الإنسان.
وينسف المركز القانوني للأسرى الفلسطينيين "مشروعية" هذا القانون، لأنهم "معتقلون من أجل الحرية والاستقلال، وكافة نضالاتهم مكفولة وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وخاصة أن البروتوكول الأول للمادة الرابعة الذي ينص على أن حركات التحرر التي تناضل من أجل حق تقرير المصير، وضد الاحتلال الأجنبي يعتبر نضالها نزاعاً مسلحاً دولياً، وهذا ما ينتمي إليه النضال الشعبي الفلسطيني في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني".
وأكد الشلالدة أن "الأسرى الفلسطينيين وفق القانون الدولي لا يقدمون للمحاكمة أو المساءلة، وبالتالي لا بد من الرد على هذا التشريع العنصري بالتحرك الفوري، وفتح معركة دبلوماسية قضائية لوسم إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال بدولة ابرتهايد وفصل عنصري، وذلك من خلال الدعوة للبرلمانات العربية لتبني هذا التصنيف، وأيضاً من خلال المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الافريقي، ودول عدم الانحياز، وصولاً إلى تبني الجمعة العام للأمم المتحدة قراراً بوسم إسرائيل بدولة فصل عنصري".
وقال: "لا بد من البحث عن الآليات القانونية والقضائية لمواجهة هذه التشريعيات العنصرية بحق شعبنا، خاصة أن العديد من التشريعيات كقانون القومية، وقانون راشقي الحجارة، وقانون إعدام الأسرى، تعتبر تشريعات عنصرية.
ويصف رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس مشروع القانون بأنه خطوة تستوفي المشهد الداخلي الإسرائيلي، في التحولات العميقة في بنية المؤسسة داخل دولة الاحتلال، والتحولات الفاشية العنصرية الصارخة الواضحة لها بشكل عام.
ويؤكد أن إسرائيل من خلال النصوص القانونية التي تلهث وراء إقرارها وتشريعها تتحول إلى دولة عنصرية، فهي تشرع قوانين مخصصة للشعب الواقع تحت الاحتلال حصراً، ولا تنطبق هذه القوانين إلا على الفلسطينيين دون غيرهم.
واللافت أن قانون الإعدام موجود في القانون الإسرائيلي منذ عقود وتحديداً منذ عام 1953، إلا أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية جمدت التعامل معه، ليس حباً بالفلسطينيين كما يقول فارس، بل لأنهم يعلمون بأنه لن يضيف أمناً لهم بل على العكس سيسهم في خلق مزيدٍ من التوتر في الشارع.
ويرى بأن مشروع قانون إعدام الأسرى يأتي أيضاً في إطار المزايدات التي يريد منها "وزير الأمن القومي" الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير أن يكرس قدرته على تحقيق كافة وعوده الانتخابية لجمهور الناخبين.
ويقول فارس إن إسرائيل تمارس الإعدام فعلاً خارج إطار القانون، وهي لا تحتاج لمثل هذه القوانين، فهي تقتل بسبب ومن دون سبب، وتمارس جرائم قتلها للمواطنين بشكل يومي، غير أن ادعاء اليمين المتطرف أن مشروع القانون يمكن أن يكون له تأثير عملي في تحقيق أمن لدولة الاحتلال يعتبر كلاماً سخيفاً، مؤكداً أن كل المؤسسة الأمنية والعسكرية تعرف ذلك، لكنه يأتي في إطار استعراض خطاب الحقد والكراهية.
وتابع أن مشروع القانون سيشكل في حال تمريره بالكنيست، نقطة لصالح الشعب الفلسطيني من ناحية استراتيجية، وهي أن تظهر دولة الاحتلال على حقيقتها كدولة فاشية عنصرية وقاتلة، وتتصرف كعصابة، وهذا سيخدم القضية الفلسطينية.
واستدرك، لكن الخطير في مشروع القانون الحالي أنه يزيل القيود الموجودة في القانون السابق الذي كان ينص على أن صدور الإعدام بحق أسير ما يجب أن يكون بإجماع ثلاثة قضاة، والقانون الجديد ينص على أنه يكفي صدور الحكم وفق نظام الأغلبية، وهذا لا يعني أنه في حال إقراره سيتم العمل به.
ويؤكد فارس أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بات رهينة للأحزاب اليمينية المتطرفة التي بدونها سينهار الائتلاف الحاكم، وهو في إطار حساباته يريد أن يمرر قانون يمنحه حصانة طيلة فترة ولايته من القضاء الإسرائيلي، وطالما لم يحصل على الحصانة فسيبقى عرضة للابتزاز من التيارات اليمينية المتطرفة.
ويتفق المحلل السياسي أنطوان شلحت مع فارس. ويرى بأن مشروع قانون إعدام الأسرى الذي يحاول الائتلاف الحكومي الإسرائيلي تمريره، يعكس طابعه اليميني المتطرف سواءً من الناحية القومية، أو الدينية.
وقال إن "مشروع القانون ما زال في مراحله الأولى، وتعرض لانتقادات شديدة سواءً من معارضة سياسية أو جهات قانونية، لأن إقراره لادعاءات أمنية، يمكن أن يقود إلى قانون إعدام على المستوى المدني، وهذا ما تعارضه جهات قانونية سياسية ليبرالية".
وتابع: "ربما يمر القانون بالقراءات الثلاثة في الكنيست خاصة لأن الائتلاف يحظى بالأغلبية، ويبدو أنه متمسك بهذا المشروع، لكن إمكانية أن يتم تطبيقه تبقى سؤالا مفتوحا بانتظار ما يحدث من تطورات على الصعيد الميداني".
ووفق شلحت فإن الهدف الواضح من اللجوء لهذا القانون هو حلم بن غفير لتحقيق حالة من الردع للفلسطينيين، إضافة إلى أن مشروع القانون يدل على تطرف من ناحية قومية ودينية، وأن السياسة الإسرائيلية المتبعة تزداد تطرفاً، وهذا دليل على فشلها وليس نجاحها.
يذكر أنه في عام 2015 طرح مشروع القانون بشأن إعدام الأسرى على طاولة الكنيست، ولم يمر. وفي عام 2017 أعيد طرحه مجدداً من قبل حزب "إسرائيل بيتنا"، ووضع في مسار سريع للتصويت عليه من قبل اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريع في الكنيست، وفي نهاية عام 2018 دفع نتنياهو بمشروع القانون للتصويت عليه، لكنه لم يمر.
وفي عام 2022، أعلن حزب "قوة يهودية" الذي يتزعمه المتطرف إيتمار بن غفير، عن اتفاق مع حزب الليكود المكلف برئاسة نتنياهو بتشكيل الحكومة الجديدة والذي ينص على سن تشريع لفرض عقوبة الإعدام بحق الفلسطينيين، وفي السادس والعشرين من الشهر الجاري، صادقت حكومة الاحتلال، على مشروع قانون يجيز إعدام أسرى فلسطينيين.