لبنانيات >أخبار لبنانية
منصّة صيرفة…كيف يموّلها مصرف لبنان؟ وهل يتحمّل الخسائر؟
الثلاثاء 14 03 2023 10:26جنوبيات
مع الانقلاب الكبير الذي حصل في السوق اللبناني والذي أسهم في تحليق غير مسبوق لسعر #الدولار الأميركي على حساب العملة الوطنية منذ أواخر عام 2019، استنبط حاكم #مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً حمل الرقم 161 صدر في 16/12/2021 سمح له بالتدخّل في سوق القطع، وللمصارف باستقبال إيداعات الزبائن بالليرة، وشراء دولارات لحسابهم بما يوازي قيمتها على سعر «#صيرفة»، طبقاً لكوتا وسقف محدّد لكل مصرف.
وإن لم تحلّ صيرفة المشكلة النقدية، كما لم تكبح بشكل جازم تصاعد سعر الدولار في ردهة الاسواق ولا سيما المرتبطة بالصرافين وبالتطبيقات الناشئة فإنها أحدثت خرقاً في التسعير وفي الصرف وكان لها النصيب الأوفر في الاعتماد عليها في تسديد رواتب القطاع العام، وفي بعض رواتب القطاع الخاص، بالإضافة الى الاجتذاب الكبير للمضاربين، وإن طُبّقت بشكل استنسابي فاضح في بعض المصارف وصولاً الى فوترة الاتصالات والكهرباء رغم تقلّبات سعرها.
واللافت أنه في كل مرة يعلن فيها «#المركزي» عن بيع الدولارات بلا حدود ينخفض السعر. على مراحل خفّف وتيرة تدخله، إلى أن حدّد العمليات المتاحة لكل حساب مصرفي بقيمة 400 دولار شهرياً بعدما كان 500 دولار.
في أواخر كانون الأول 2021، كان سعر الصرف 23 ألف ليرة وصيرفة مع انطلاقتها كانت 12 ألف ليرة. وفي كانون الثاني 2023، وصلت الى 38 ألف ليرة مقابل سعر 50 ألف ليرة للدولار في السوق الموازية، واليوم في آذار 2023، يناهز سعر الدولار الـ90 ألف ليرة وعلى منصّة صيرفة 73،100 ألف ليرة.
في الأول من آذار الجاري، تدخّل مصرف لبنان للجم ارتفاع سعر صرف الدولار بعدما تجاوز عتبة الـ92 ألف ليرة، رافعاً سعر منصّة صيرفة من 45400 إلى 70 ألف ليرة دفعة واحدة.
يواكب عملية ضخّ الدولارات حصاد واسع للعملة الوطنية ينفّذها مصرف لبنان من أجل إبطاء التضخّم والارتفاعات الكبيرة في سعر الصرف ضمن فترة قصيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن التعميم 161 الذي صدر منتصف كانون الأول 2021 شهد سلسلة من التمديد حتى تاريخ اليوم.
كما أن الصيغة الأولى للتعميم حصرت الدولارات المعطاة للمصارف بسقف سحوباتها الشهرية المخصّصة لكل مصرف، فيما التعديلات فتحت حجم السحوبات بدون سقف محدّد.
اليوم، بعدما أصبحت صيرفة الشغل الشاغل لبعض الأفراد الذين يتأبّطون اكياساً من الليرات اللبنانية بشكل دوري لهثاً وراء استبدالها وتحقيق الأرباح من الدولارات المحصّلة، وبعدما أصبح لها أكثر من سعر تطرح تساؤلات أهمّها:
هل حققت منصّة صيرفة الهدف من إنشائها؟ كيف تُموَّل؟ وإلى متى ستبقى؟
غبريل
وفق كبير الاقتصاديين ومدير قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في «مجموعة بنك بيبلوس» الدكتور نسيب غبريل أصدر مصرف لبنان التعميم 161 الخاص بمنصّة صيرفة في كانون الاول 2021 في محاولة للجم تدهور سعر صرف الدولار في السوق الموازي كما أصدر قراراً في بداية الـ2022 لتعزيز تطبيق التعميم المذكور، ولاحظنا تراجعاً ثم استقراراً لسعر الصرف في السوق الموازي لفترة لا بأس بها. ومن أهداف هذا التعميم تقليص الهامش بين سعر صرف الدولار على منصّة صيرفة وسعر الصرف في السوق الموازي، وتحويل جزء من الطلب على الدولار من السوق الموازي الى منصّة صيرفة، وسحب من السوق جزءاً من السيولة بالليرة اللبنانية. ولكن بعدما لاحظ «المركزي» كيفية استغلال بعض الشركات والمؤسسات للتعميم تشدّد في آلية الموافقة على الطلبات، كما خفض السقف المتاح لكل حساب للأفراد أولاً الى 500 ثم الى 400 دولار شهرياً في العام الماضي. وفي أواخر شباط الفائت أصدر قراراً كمحاولة للجم تدهور سعر الصرف الذي تراجع كثيراً منذ نهاية العام الماضي دون أي سبب مستجد على الصعيد الاقتصادي.
ولكن، لا بد من القول إنه لا «المركزي» ولا المصارف التجارية بصدد اعتبار هذه الإجراءات حلّاً لسعر صرف الدولار، وإنما هي مؤقتة بانتظار تنفيذ عملية إصلاحية على مختلف المستويات تسهم في استعادة الثقة.
البعض يعتبر أن تغذية صيرفة التي هي حل ترقيعي تتم من الاحتياطي الإلزامي، ما يعني أن صيرفة استحوذت على أكثر من ثلث مدّخرات «المركزي» ولا بد من أن تتوقف.
في المبدأ تموَّل صيرفة من مصدرين: الدولارات المتأتية من التحويلات الخارجية والمتداولة في السوق، ودولارات الاحتياطي الإلزامي. وإن التقليّص يشير إلى تراجع عدد العمليات وتخفيف ضخّ «المركزي» للدولار من الاحتياطي إليها، ومنها إلى السوق.
هذا التدبير ليس هندسة اقتصادية إيجابية تحفّز على تدفّق الأموال، وإنما هي البديل من السياسة المالية والنقدية المفترض أن تضعها الحكومة.
وهنا يوضح غبريل لـ”النهار”: “يتحرّك «المركزي» من ضمن الإمكانيات الموجودة لديه والصلاحيات المحدودة مع أولوية الحفاظ على الاحتياطي الإلزامي الذي وصل الى 9 مليارات و700 مليون دولار في آخر شباط. أما حجم التداول على منصّة صيرفة فقد بلغ 12 مليار دولار نهاية عام 2022 مقابل تراجع الاحتياطي بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان الى مليارين و600 مليون دولار في عام 2022.
فعندما يشتري «المركزي» الدولارات من السوق يُعيد توزيعها للمودعين عن طريق منصّة صيرفة ويتحمّل هو الخسائر الناتجة عن فرق سعر الصرف بين السوق الموازي والسعر على منصّة صيرفة. كما أن صندوق النقد أوصى بتوحيد سعر الصرف وتعويم سعر الصرف الرسمي والإتاحة للعرض والطلب في الاقتصاد تحديد سعر الصرف الحقيقي، إذ إن السوق الموازي لا يخضع لأي قانون أو رقابة وهو غير شفّاف، وبالتالي، يتحكّم به تجار الأزمات والمضاربون والمتلاعبون بسعر الصرف كما الطلب على الدولار من خارج الحدود. لذلك يجب أن يكون هدف السلطات على المدى المتوسّط إلغاء الاعتماد على السوق الموازي وتحويل الطلب بالكامل الى القنوات والمؤسسات الرسمية والشرعية. وهذا ما يتطلّب ضخّ سيولة كافية بالعملات الأجنبية في الاقتصاد الذي بدوره يحتاج الى إعادة تدفّق رؤوس الأموال الى لبنان من خلال قنوات النظام المالي المصرفي”.
نجار
من جهته، الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله نجار يرى “أن كل التعاميم السابقة الصادرة تحمّل المودعين خسائر فادحة بسببها؛ ومنها: – التعميم الخاص بالسحوبات من الحساب الخاص بالمودعين بسعر 3900 ل.ل والـ8000 ل.ل أي بمعدل تقريبي 6000 ل.ل للدولار الواحد. وبذلك يكون قد سُحب أكثر من 40 مليار دولار أميركي من أموال المودعين، وهكذا فقد حقق «المركزي» أرباحاً طائلة عن طريق المصارف من خلال «الهيركات».
– تعميم صرف الإيداعات بالليرة اللبنانية للدولار الاميركي بسعر 1500ل.ل مع تجميد الحساب لمدة محددة الأمر الذي كبّد «المركزي» الخسائر من الاحتياطي.
– التعميم الخاص بتسديد الديون الواجبة للمصارف بالدولار الأميركي على أساس 1500 ل.ل للدولار الواحد. أيضاً كبّده خسائر من الاحتياطي وصولاً الى إنشاء ما يُسمّى منصّة صيرفة.
أما بالنسبة لتمويل المنصّة فهي عن طريق: 1- شراء الدولار من السوق السوداء ومن بعض المصارف و الصرافين ومن ثم بيعها عبر المنصّة.
2- استعمال الاحتياطي أي ما بقي من أموال المودعين في البنك المركزي لبيعها عبر المنصّة.
3- بيع الدولار الذي تم الاستحصال عليه من التحويلات المنفّذة عبر الـOMT وغيرها.
4- التصرّف بالأرباح المحققة من أموال المودعين، حسابياً تلك التي اشتراها بواسطة المصارف بسعر 8000 ل.ل وحالياً بـ15000 ل.ل للدولار الواحد. وإذا ما وجدت أي خسائر هنا تكون من قيمة الأرباح التي حققها. وذلك بهدف تعزيز القيمة الشرائية لدى المواطنين خصوصاً أصحاب الدخل المحدود، إرضاء الرأي العام، لجم سعر صرف الدولار في السوق السوداء، عن طريق سحب الليرة اللبنانية من السوق”.
ويختم: “إن كان من بين إيجابيات صيرفة تحسين القدرة الشرائية والمدخول الشهري الى جانب زيادة السيولة بالدولار الاميركي وتخفيف الطلب في السوق السوداء، فهناك نتائج سلبية بالمقابل، أهمها عدم تحقيق المساواة والعدالة بين اللبنانيين، ولا سيما أن البعض لا يملك المال اللازم للقيام بصيرفة. كما أن الذين يملكون المال في الأساس ولا سيما الدولار أو غيره من العملات الصعبة هم المستفيدون الفعليون. وبالتالي، إن بيع الدولار الأميركي حسب سعر الصرف في السوق السوداء ثم شراءه بسعر أقل بموجب صيرفة لا يؤدي الغرض المرجوّ منها وهو التخفيف من الطلب على الدولار”.
في مطلق الأحوال، هناك تأكيد على أن إلغاء منصّة صيرفة مرتبط بإقرار قانون الكابيتال كونترول، الذي إن كتب له التطبيق بعد اجتيازه المسار التشريعي، فستنتفي معه أهداف كل التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان، ولا سيما أن هدفه ضبط التحاويل الى الخارج وتنظيم السحوبات في الداخل.