بأقلامهم >بأقلامهم
د. نبيل الراعي.. رحيلك مؤلم وخسارة وطنية
د. نبيل الراعي.. رحيلك مؤلم وخسارة وطنية ‎الأربعاء 22 03 2023 20:10 أحمد الغربي مستشار نقابة المحررين
د. نبيل الراعي.. رحيلك مؤلم وخسارة وطنية

جنوبيات

اسمه يختزن معدنه ورسالته، فهو النبل في اسمى معانيه، صاحب وفاء ونبل ومودة، نبل الاخلاق والمثل والقيم، نبيل المكارم، نبيل في القضايا التي حملها.
الدكتور نبيل الراعي الذي عرجت روحه اليوم إلى الرفيق الأعلى بعطاء انساني وبمسيرة نضالية وعروبية طويلة وبزاد وطني وفير.
 رفيق درب وعشرة عمر طويلة تمتد  لأكثر من نصف قرن، أفجعني خبر وفاته، ورحيله هو الأكثر ايلاما منذ سنوات، من منا لم يشعر بأنه فقد شيئاً من ذاته.
 ران صمت طويل، غصة في الحلق تخنقني، ينحبس الدمع في المآق وتتحجر الكلمات.
 لا أريد ان نصدق ان العزيز لا بل الأعز على قلبي قد مات! علها تكون خبرية طائشة... كيف للربيع ان يخطف منا ربيعنا الدائم صاحب الهمة والعفوية والأبتسامة الدائمة، ومثال الصدق والوفاء والاخلاص، لولب الحركة ومختار قضايانا المتفاؤل دوما، حلال المشاكل، والطبيب الذي يبلسم جراح وآلام الناس... وكيف لهذا الطود الشامخ، ان تهزمه رئة زرعت في جسده المنهك وهو من كان يتنفس نسائم حرية ملء رئتيه.
والدكتور نبيل الذي احبه الصيداويون والجنوبيون يمثل شمائل انسانية، محب، ودود،  همشري، معطاء، فاعل خير، عمل على تأسيس جمعيات خيرية ومستوصفات من تبنين الى العاقبية الى صيدا والمخيمات، مع رفيق دربه مصطفى معروف سعد اسس مؤسسة معروف سعد الثقافية الخيرية الاجتماعية.
اهتمامه بالشباب والجسم السليم دفعاه الى ترأس النادي الاهلي في صيدا حيث حقق النادي تحت رئاسته انجازات كروية هامة لكن الأهم انه سهر وقتها وكان زمن الاحتلال الإسرائيلي للمدينة الى بث الوعي في روح الشباب وعدم سقوطهم في الشطط.
رئيس الاتحاد اللبناني لكرة القدم ولسنوات عدة شهدت خلالها الكرة اللبنانية مواسم عز واعادت لبنان الى خارطة الدورات العربية والاسيوية والعالمية.
المواقع كانت تكبر به ولا يكبر بها، في جمعية المقاصد كانت بصمات التطور والتقدم الدكتور نبيل واضحة وجلية في فترة وجوده داخل مجلسها.
  لم تغره المواقع ظل ابن الأرض مفاخرا بأعز الألقاب على قلبه "نبيل ابن البستنجي ابو علي". وكم كان الشهيد الكبير معروف سعد ثاقبا عندما تنبأ بمستقبل ذاك الشاب الطموح " بكرا بيتخرج نبيل وبحكم الفقرا".

الطبيب الذي وضع مصلُ العلاج للمرضى، جرى مصلُ السياسة والوطنية والناصرية في عروقه منذ ان الهمه فكر عبد الناصر ، فوعى باكرا خطر المشروع الصهيوني.
 والدكتور نبيل ليس فقط طبيب الفقراء وابن الطبقة الشعبية الكادحة وحسب، بل هو طبيب مقاوم حمل مبضع الجراحة معالجا مقاومين أصيبوا خلال تنفيذهم لعمليات ضد الصهاينة اثناء احتلالهم لصيدا ومنطقتها، "يوم كان ما في حدا بشوفن الا اذا ماتوا... وعم يضهروا بالليل" كما غنى مرسيل لهم.

حكايات الصمود والمقاومة تمتد.... هذا مجاهد اسلامي من الجماعة من آل البغدادي رعاه الراعي وعالجه من جراحه بعد ان أمن مخبأً له عند آل الحر، وهذا أبن الصالح  بالتنظيم "قطبناه"، و"في حدا من "الشعبية" ملتهب جرحه"، اما  المقاوم في حركة "أمل" الجريح نبيل حجازي (استشهد لاحقا) فخبأه في غرفة ببستان مجاور لمستشفاه الذي افتتحه عام 84، حتى برأ من جراحه، وهاهو يسارع الى جبشيت ليكون من اوائل المباركين والمعزين باستشهاد شيخ المجاهدين راغب حرب.

ولدوره المقاوم اعتقله الإحتلال عله يبوح عن مقاومين طبب جراحهم.
ولعل الدور الوطني الأبرز الذي لعبه راحلنا الكبير كان بتكلفه لمهام نضالية في لحظة حرجة وحاسمة وبالغة التعقيد مرت بها صيدا وتنظيمها الشعبي غداة محاولة "اسرائيل" وادواتها اللبنانيين إغتيال الرمز المناضل مصطفى سعد، فتولى الراعي مسؤولية الأمين العام المساعد في "التنظيم الشعبي الناصري" ليحمي التنظيم من المخططات المشبوهة التي كانت تستهدفه وايضا مستقبل المدينة لمرحلة ما بعد الاندحار الصهيوني وقد حمى وإخوانه في التنظيم القرار الوطني للمدينة، وكم كان حكيماً في معالجته لإطفاء الحريق الكبير باذلا الجهود لوأد الفتنة وكاد يدفع حياته ثمنا.  
في التنظيم والسياسة والفكر  وشؤون المستوصفات كان الدكتور نبيل طاقة محركة ومبدعة .
الناصري المثقل بهموم امته العربية كان كبيرا ببعده الفكري، رئيس اتحاد الطلبة العرب في مصر ، ظل حتى رمقه الاخير وفيا لجمال عبد الناصر  فبقي "مثاله الأوحد والوحيد".
بفقدان الدكتور نبيل الراعي نخسر طبيبا وقامة وطنية وهامة اجتماعية وانسانية، لن تعوض، وافقد شخصيا صديقا لا حدود لصداقاته وهو الصديق بلا حدود.
كما اني أدين بالوفاء للدكتور نبيل الذي لم يتأخر لحظة في  متابعتي الطبية  وكان رفيق معاناتي منذ اللحظة الاولى للحادث المؤلم الذي وقع لي في العام 1980 حيث أذكر كلماته المبلسمة خلال نقلي بسيارة الإسعاف الى مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت "شد حالك". لن نقول طبيب عائلتنا بل صديق عائلتنا او بمعنى أدق كما كانت تقول والدتي رحمها الله "نبيل ابني الكبير".
 دكتور نبيل انها المرة الأولى التي لا تفي بوعد قطعته لي في آخر اتصال معك، من على سرير علاجك، بلقاء قريب في "حكي كتير".
دكتور نبيل ايها الوجه الحبيب، هذا ليس رثاء ، لا بالكلمات ولا بالنثر  ولا بأشياء اخرى نفيك حقك.
ونردد مع الشاعر قوله:
"ذهب الذين احبهم   
وبقيت مثل السيف فردا"
 

 

المصدر : جنوبيات