بأقلامهم >بأقلامهم
كيف نصغي لصوت أنفسنا.. "المونولوج الداخلي"
جنوبيات
المونولوج هو الحوار الداخلي الذي يجريه الإنسان بينه وبين نفسه، تكون أكثر وضوحاً في الروايات حيث يكشف الروائي عن تيار الوعي، الذي يعصف بمخيلته ويترجمها على الأوراق لينقلها الى القراء بأسلوب شيّق وهادف، بمعنى آخر المونولوج هو عبارة عن موجة من الأفكار الداخلية ، التي تكتسح العقل والنفس لتصل احياناً الى رثاء الذات، مما يؤثر على تدمير الثقة واتخاذ القرارات، لذلك فإن الحديث الإيجابي مع الذات يعتبر آداة جيدة لزيادة الثقة بالنفس وتجنب المشاعر السلبية.
في الواقع يجتاح الإنسان صوت داخلي يقوده الى ترتيب حياته وفق الإدراك الواعي، الذي هو عليه فكل واحد منا يسلك سلوكاً مغايراً عن الآخر لسبب بسيط، هو مدى الإختلاف بين الأفراد من حيث الحوار مع النفس ، ومهما كان هذا الإختلاف لكن الحوار الإيجابي مع النفس واستبعاد السلبي هو الذي يقود الى بناء النفس السوية البعيدة عن الظلامية في الأقوال والأفعال.
وعليه نتساءل كيف يتجنب الإنسان الحوار السلبي مع النفس ؟ وكيف نقوّي هذا الحوار حيث تكون الأفكار الإيجابية هي الغالبة ؟
تعصف بالإنسان كم من المشاعر السلبية والإيجابية وعندما يلجأ الى تكرار وترداد لنفسه بأنه حزين على سبيل المثال، فإن ذلك يؤدي بالتأكيد الى طاقة سلبية تنزع البهجة من حياته وتدمر الثقة وتؤثر على قراراته، لذلك فإن الوعي ومراقبة ما يختلج الصدر من مشاعر، وما يجتاح الرأس من أفكار، سرعان ما يتم ترجمتها الى سلوك وافعال تحدد مسلك الحياة والوجهة التي هو بصددها، فالمونولوج هو الحوار الداخلي المستمر كل الوقت وهو الذي يدور في العقول في الجزء الخفي عن الناس ويدور بلا انقطاع.
هنا يتبادر السؤال المحوري كيف ينتج الروائي هذا الحوار للنفس على الورق وكيف تتبلور الصور الذهنية الى الآخر؟
عند البدء بلحظة الكتابة ينفصل الروائي عن ذاته، ويعمل الخيال على رسم صور ذهنية ونسج مشاهد يحاول وصفها بدقة متناهية، والمونولوج هنا ما هو إلاّ الآلية التي يتبعها الدماغ لتربط الذاكرة الصورية بالوظائف الإدراكية، وبالتالي يسمع الصوت الداخلي ويكتبه مستعيناً بشخصيات وهمية من محض الخيال ويتم تباعاً كتابة الحوارات ببن هذه الشخصيات المتخيّلة ، ومن أشهر الروايات المكتوبة بنص مونولوجي داخلي هي رواية الجريمة والعقاب لدوستويفسكي، والتي تعد من أولى أعماله الناضجة والتي تختلف عن مؤلفاته المتتالية، فما الكتابة إلا الوسيلة التي يلجأ لها الكاتب للتعبير عن أفكاره ومشاعره ورؤيته عن الحياة، وبالتالي تعكس الكتابة عن المونولوج الداخلي للكاتب والصراعات الداخلية بين الأفكار السلبية والأفكار الإيجابية، كل ذلك وفق القدرة والتمكّن من سكب تصوراته المتخيّلة والمأخوذة من محيطه المعاش والمتصور عن عالمه الخاص الذي يعتبر الملخص من الأفكار والمبادئ والقيم التي يعتنقها الكاتب وتبيّن مدى نضجه وفهمه للحياة.
أخيرا نستنتج ان طغيان الأفكار الإيجابية في الحوار مع النفس أو المونولوج الداخلي تساعد الإنسان على زيادة الثقة بالنفس وتحديد خطواته المستقبلية، كما ويعتبر انسياب الأفكار الإيجابية الدافع لمواجهة الأفكار السلبية المسؤولة عن هدم الأحلام والطموح، فالإنسان هو نتيجة ما يتصوره عن نفسه فإن ارتقت طموحاته علت جهوده وهمته وسعى للتحقيق والوصول الى الهدف المنشود . في هذا السياق يقول غاندي: ما المرء إلا نتيجة أفكاره؛ ما يفكر فيه .. يصبح عليه.