بأقلامهم >بأقلامهم
"اللهمّ إنّي قد بلّغت"
جنوبيات
من النّعم الربّانيّة أن منّ الله عليّ بأن أكون من نسل الإمام الحسين رضوان الله وسلامه عليه، سبط رسول الله، وابن فاطمة الزهراء ريحانة قلب رسول الله، وابن الكرّار عليّ بن أبي طالب إمام الأبرار ومغيث الاحرار ابن عمّ رسول الله، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وإزاء ما يحصل اليوم في بلد الحرمان والخذلان، لبناننا الحزين، من قبل زمرة من حكّام القهر والقمع والاستبداد والإذلال والإفقار والتحكّم بمقدّرات البلاد ورقاب العباد، آثرتُ الكتابة عن الواقع المأساويّ، وكانت كلماتي تكاد تنحصر في الإطار الاجتماعيّ والمعيشيّ، حيث ابتعدت عن الكتابات القانونيّة التي لم تعد تجدي نفعًا في بلد اللا قانون!
وكانت جملة مقالاتي في الصّحف وحتّى منشوراتي عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ تدعو إلى التحرّك ضدّ الظلم والاستبداد لا للتبرّك من حكاّم البلاد..
تدعو إلى الانتفاضة ضدّ الفساد والتحكّم برقاب العباد، لا إلى الاستفاضة في التملّق مع مجموعة الأوغاد، الذين عاثوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد..
إنّ كتاباتي كلّها تتمحور حول كلمة حقّ تُقال في وجه سلطان جائر.
وفي كلّ مرّة كنت أكتب كنت أتذكّر جدّي الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه، وسلام الله عليه وعلى الأئمّة من ذرّيّته الطّاهرة النّقيّة.
كنت أتذكّر حواره مع الوليد حاكم المدينة المنوّرة الذي طالبه بأن يبايع يزيد ابن معاوية.
الوليد يسأل الحسين: نحن لا نطلب إلّا كلمة، فلتقل بايعت، واذهب بسلام إلى جموع الفقراء، فلتقلها وانصرف يا ابن بنت رسول الله حقنًا للدماء، فلتقلها ما أصغرها من كلمة!
وكان الرّدّ الصّاعق من سبط رسول الله -وأحد سيّدَي شباب أهل الجنّة مع شقيقه الحسن بن عليّ- حيث قال: "كبرت الكلمة، وهل البيعة إلّا كلمة.. ما دين المرء سوى كلمة.. ما شرف الرجل سوى كلمة"... إلى أن قال: مفتاح الجنّة في كلمة، دخول النار في كلمة، وقضاء الله هو الكلمة. الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور. بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها الليل البشريّ، يعتصم بها النبل البشريّ، إلى آخر الكلام الطّيّب الصّادر من سليل الدّوحة النبويّة العطرة.
وعليه، لقد تقصّدت في جميع كتاباتي إيصال الكلمة إلى المتلقّي، منتقيًا السّلاسة في التّعبير، والدقّة في التّسيير، للوصول إلى حسن التدبير، وتجنّب سوء المصير.
فغايتي كانت التّوعية قدر الإمكان، إذ ليس للإنسان إلّا ما سعى، وأنّ سعيه سوف يُرى.
وباختصار لمشهديّة الأخبار أقول وفي صدري حزن عميق لواقعتَي الخِناق والتضييق: "اللهمّ إنّي قد بلّغت، اللهمّ فاشهد"!