عام >عام
معركة التوقيت الصيفي.. آخر فصول الهزال السياسي
معركة التوقيت الصيفي.. آخر فصول الهزال السياسي ‎الاثنين 27 03 2023 00:10
معركة التوقيت الصيفي.. آخر فصول الهزال السياسي

جنوبيات

عام 1840، تحوّل شجار بين ولد درزي وآخر مسيحي في جبل لبنان على لعبة "الكُلّة" إلى توسع المشكل إلى عائلتيهما ثم إلى قريتيهما ثم إلى الطائفتين، وأدّت فتنة ذلك العام إلى حرب إبادة ذهب ضحيتها الآلاف. 

وتجددت هذه الحرب عام 1860 بسبب خلاف على قيام صياد من إحدى الطائفتين بصيد طيور على أرض شخص من طائفة أخرى، على إحدى الروايات.

طبعًا، يمكن التقدير أن هناك عوامل سياسية محليّة (النطام الاقطاعي) وغير محليّة (تدخل دول كبرى في شؤون متصرفية جبل لبنان الذي كان ضمن الدولة العثمانية) شكلت خميرة الحرب، ولم تكن لعبة الصغار سوى فتيل أشعل الحريق الكبير. 

عام 2023، اندلعت.. تندلع.. ستندلع حربًا افتراضية (نشكر الله أنّها كذلك) بين المسلمين والمسيحيين بسبب قرار رئيس مجلس الوزراء المسلم تأخير اعتماد التوقيت الصيفي إلى ما بعد شهر رمضان. منذ صدور القرار، إنهالت التعليقات الشاجبة من فاعليات حزبية مسيحية غير متوافقة سياسيًّا هاجمت القرار بحجج مختلفة بشكل أوحى بأنّ تأخير اعتماد التوقيت الصيفي ينطوي على مؤامرة ضد المسيحيين (حجّة تستدعي التأمل) ويشكّل ضررًا على قطاع الأعمال (حجة غير واضحة).

وما زاد السجال اشتعالًا مسارعة بعض القنوات التلفزيونية المسيحية المنشأ مثل "ال بي سي" و"أم تي في" إلى إعلانها عدم التزام القرار.

قد يكون قرار رئيس الحكومة مرتجلًا، وكان يفترض صدوره في وقت أبكر وليس قبل أيام من موعد التنفيذ، لكن تعيين التوقيت هو من صلاحياته ولا يستلزم توقيع رئيس الجمهورية، كما جرت العادة في كل عام. أما الاحتجاج بأن التوقيت عالمي، فهذا كلام يفتقد إلى الدقة، ذلك أن التوقيت الصيفي ليس واحدًا موحدًا في بلاد العالم، وحتى الدول العربية القريبة منا تختلف في تحديده، وبعضها ألغاه كليًّا. 

 ما المشكلة إذن؟ 

المؤكد أنّ القضية ليست قضية توقيت، إنما قلوب متحفّزة للاعتراض على عمل الحكومة بغياب رئيس الجمهورية، وهذا نظريًا حق للمسيحيين الشركاء في الوطن، لكن اختيار مسألة التوقيت الصيفي لتفجير الاعتراض ليس في محله وينم عن ضعف منطقي وازدهار الشعبوية بشكل يفوق كلّ تصوّر، بالاستناد إلى قضية غير جوهرية. 

الضرر المتحقق من تأخير التوقيت الصيفي غير مؤكد وافتراضي، لكنه على الأغلب ضرر سياسي، أو بالأحرى تضارّ سياسي ناجم عن تنافس فارغ على حكم بلد يتحطم بفعل ضآلة أفق من يتزعمون الناس. بات أقصى أمانيهم استجلاب دعم مؤيديهم على "تويتر" أو على المنابر. 

لبناننا غير لبنانكم، ولبنانكم غير لبناننا، شعار يرفعه بعض المتحمسين للفيدرالية الطائفية. عدنا مرة أخرى إلى تنظيرات ما قبل حرب 1975. لكن "لبنان" هنا وهناك يعاني من هزال سياسي وآيل إلى سقوط أخلاقي فظيع، مثل مبنى أصابه زلزال، لكنه ما زال واقفًا وينتظر هزة خفيفة ليقع على الأرض. 

حمى الله لبنان، من سوء تقدير بعض أبنائه.

المصدر : موقع العهد الاخباري - علي عبادي