بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - إدارة الفشل
جنوبيات
أصبح من الثابت أن قرارًا ما اتخذ في مكان ما بإفشال جميع قطاعات الدولة وتفكيكها. وهذه الخلاصة ليست مستخرجة من مآل الأمور في سنوات الانهيار الأخيرة بل من متابعة المشهد العام لقطاعات الدولة من داخلها وخارجها منذ تسعينات القرن الماضي.
ليس صدفة أن يفشل جميع من تولى على سبيل المثال قطاعات حيوية كالكهرباء والإتصالات في وضع حلول جذرية لها وتنفيذها. والمشترك بين هذين القطاعين أن إطارا تشريعيا لمعالجتها تم اقراره منذ اكثر من عشرين عاما دون أن يقترن بالتنفيذ. وكما في الكهرباء كذلك في الاتصالات، أقرّ مجلس النواب قانوناً لتنظيم القطاع يتضمن من جملة ما يتضمن دور القطاع العام وكذلك القطاع الخاص وانشاء هيئة ناظمة تعمل وفق أسس علمية وتضمن حسن سير القطاع وتمنع الاحتكار من أي من الجهتين ضماناً لأفضل الخدمات.
قانون تنظيم قطاع خدمات الاتصالات رقم 431 صدر سنة 2002 ونص على تنظيم إطار جديد للعمل المؤسسي لقطاع الاتصالات والترخيص لمقدمي خدمات الاتصالات وموجباتهم وغيرها من الأحكام والمعايير القانونية الجديدة. وأنشأ الهيئة المنظمة لقطاع الاتصالات ونص على صلاحيات تلك الهيئة. ولكن قانون الاتصالات لم تتم المباشرة بتنفيذ أحكامه لأن المراسيم التطبيقية التي كان يتوجب على وزارة الاتصالات أن تقترح صدورها، لم تصدر لأن الوزارة امتنعت حتى اليوم عن ذلك.
نصت المادة 50 من قانون الاتصالات على تصفية هيئة أوجيرو وحلّها بعد إتمام انتقال مهام وموجودات الوزارة وأوجيرو إلى الهيئة المنظمة للاتصالات وإلى شركة اتصالات لبنان وعملية تصفية الأجراء والمتعاقدين خلال مرحلة انتقالية نصت عليها المادة 49 منه.
وفقاً لأحكام قانون الاتصالات إن هيئة أوجيرو أصبحت قيد التصفية وفي طور الحلّ بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. وقد تم تعليق المباشرة بعملية التصفية والحلّ من خلال تعليق اقتراح وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون الاتصالات بحيث أعلن مجلس شورى الدولة بأن الأحكام القانونية السابقة تبقى نافذة إلى حين المباشرة بتنفيذ قانون الاتصالات.
بالفعل عادت وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو إلى العمل وفق الأحكام القانونية والتنظيمية التي كان معمولاً بها قبل نفاذ قانون الاتصالات في العام ٢٠٠٢ رغم أن وزارة الاتصالات هي الجهة التي تتولى دستورياً إعداد وإقتراح واستصدار تلك الأنظمة ولكنها بدلاً من أن تقدم على هذه الخطوة الإصلاحية الهامة والأساسية لتطوير قطاع الاتصالات وتفعيل عمل الهيئة الناظمة، امتنعت عن ممارسة دورها. ونتيجة امتناعها هذا بقيت هي السلطة الصالحة لإدارة القطاع وبقي دور الهيئة الناظمة معطلاً وانتهت مدة تعيين أعضائها من دون أن تتمكن من الاضطلاع بدورها القانوني الناظم لهذا القطاع.
استفادت من هذا الوضع هيئة أوجيرو التي كانت قد أصبحت بموجب قانون الاتصالات في طور التصفية. واليوم ينفذ العاملون فيها إضراباً يهدد كل ما يعمل على الاتصالات والانترنت أي عملياً كل شيء بخطر كبير، ويتعامل اصحاب الشأن معهم ومع مؤسستهم من خارج الاطار التشريعي المذكور ويعلن وزير الاتصالات انه "يتفهم همومهم ويعي أحقية مطالبهم"، ويدعو مجلس الوزراء الى عقد جلسة طارئة وعلى جدول أعمالها ملف موظفي هيئة "اوجيرو".
هذا نموذج واضح عن اسلوب ادارة الفشل في المرافق العامة بسبب وضع القانون جانباً، والهلع عند وقوع الكوارث وادعاء الحرص المتأخر على الصالح العام.