بأقلامهم >بأقلامهم
أميركا وأوروبا: الصين وفلسطين
أميركا وأوروبا: الصين وفلسطين ‎الثلاثاء 4 04 2023 16:00 غازي العريضي
أميركا وأوروبا: الصين وفلسطين

جنوبيات

وزير خارجية أميركا أنطوني بلينكن ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين استبقا الزيارة التي ستقوم بها الأخيرة برفقة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بكين حيث ستكون خطة السلام الصينية لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي أعلنت في نهاية شهر شباط الماضي والمكونة من 12 بنداً، المحور الرئيس في المباحثات مع القيادة الصينية وأعلنا مواقف من الصيغة ومن السياسة الصينية وركّزا على "السلام العادل والدائم في أوكرانيا". لفتني هذا العنوان لأنه ذكّرني بـ"السلام الشامل والعادل والدائم" في الشرق الأوسط الذي كانت تتحدث عنه واشنطن ولكن كل سياساتها كانت ترمي الى عكسه وهو رعاية الاغتصاب والإرهاب الاسرائيلي وبالتالي تدمير فكرة السلام. نعم تدمير الفكرة قبل أن تسعى الى الالتزام بها . ومنذ خمسة عقود تقريباً حتى الآن، لا سلام في أي أرض من أراضي فلسطين، ولا عدالة في التعاطي مع حقوق الشعب الفلسطيني ، والدائم هو الفوضى والنزعة نحو مزيد من العنصرية الاسرائيلية والتوسّع والضم واعتبار هذا الشعب غير موجود ، بل هو "شعب مُخترَع".
بلينكن قدّم مقاربة فيها محاكمة نوايا للصين. لم يناقش المبادرة المقترحة. اعتبر أن "الدعوة الى وقف النار الذي من المحتمل أن يكون له تأثير بتجميد النزاع مما يسمح لروسيا بتعزيز المكاسب التي حققتها وببساطة استخدام الوقت للراحة وإعادة التحضير للهجوم"!! "يجب أن نكون حذرين للغاية". ترجم فعلياً ما كان أعلنه الرئيس جو بايدن ومضمـــونه الفعلي. ولتبق الحرب مستمرة. لا حوار. لا هدنة. يجب ألا يرتاح الروسي. يجب أن نهزم روسيا. ولذلك يجب الاستمرار في إرسال الأسلحة المتطورة من طائرات ودبابات وذخائر وضخ الأموال مهما كانت النتائج والكلفة على أوروبا واقتصاداتها وعلى أميركا. المهم ألا يرتاح الروسي. ولا يجب السماح بسقوط باخموت مهما كانت الخسائر البشرية والمادية كي"لا يفرض الروسي شروطه" كما قال بلينكن. يعني بوضوح لتستمر هذه الحرب. وبالتالي "بالقوة" وبإلحاق الهزيمة بروسيا يتحقق "السلام الشامل والعادل"!! هل ثمة منطق في ذلك؟؟
المنطق يقول أن نذهب الى الصين نستطلع آفاق مبادرتها وإمكانية تطبيقها لاسيما وأنها لم تنخرط في الحرب في أوكرانيا وكانت تدعو دائماً الى أخذ هواجس روسيا بعين الاعتبار وترفض السياسات الآحادية من قبل أميركا لاسيما العقوبات التي تمارسها بهوس وعجرفة ضد كل من يقف في وجه سياساتها وأوامرها. ما فعله المسؤولون الأميركيون أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء دراسة المبادرة. فأين الدبلوماســـية وأين الحـــرص على تحقيق السلام؟؟
السيدة فون ديرلاين ذهبت أبعد فقالت: "الرئيس الصيني بدل أن يبتعد عن روسيا إثر غزوها الوحشي واللاشرعي أوكرانيا حافظ على صداقته اللامحدودة مع بوتين. لمسنا مؤخراً "تحولاً في دينامية العلاقات بين بكين وموسكو". الصين ترى في ضعف بوتين فرصة لزيادة نفوذها في روسيا بعد أن كان ميزان العلاقات بين الطرفين راجحاً لمصلحة موسكو طوال القسم الأخير من القرن الماضي". يعني هي تقول بوضوح: يجب أن تبقى روسيا ضعيفة. يجب أن تهزم. ويجب ألا تفعل الصين شيئاً بل أن تلتحق بالسياسة الأميركية كما يريد بلينكن وتنحاز الصين اليها وتقف ضد روسيا. أو أن تقف متفرجة ليأتي دور استفرادها. وكأن الصين الدولة التي تقلق أميركا التي تعتبرها المنافس الاستراتيجي الأول والتحدي الأكبر ستكون في خدمتها وليس لها موقعها ودورها وحضورها ومبادرتها في الحزام والطريق المفتوح على كل العالم. نظرة فوقية استعمارية أميركية أوروبية وعدم دراية وتنكّر لوقائع السياسة الدولية. وتناولت السيدة فون ديرلاين موقع الصين كعضو دائم في مجلس الأمن لتدعوها الى "تحمّل مسؤولية الدفاع عن القيم والمبادئ المكرّسة ووحدة أراضيها المعترف بها دولياً"!! 
كلام جميل ولكن لماذا تتنكر أميركا لسيادة الصين ووحدة أراضيها والاعتراف بحدودها الدولية في تعاونها مع تايوان؟ عندما يطالبون العالم باحترام سيادة أوكرانيا في قرارها لناحية انضمامها الى الاتحاد الأوروبي والناتو، لماذا يتجاهلون سيادات الدول الأخرى في قراراتها وخياراتها ومواقفها؟ ألا يحق للصين أن تحدّد خياراتها وتحمي حدودها وسيادتها على أراضيها؟؟
المشكلة ليست هنا. المشكلة هي أن أميركا تريد الاستمرار في القتال في أوكرانيا بالأوكرانيين والأوروبيين لإنهاك الجميع. ولا تريد أن ترى قوة كبيرة تعارض خياراتها العسكرية تحت عنوان "السلام العادل"، وتستهدف الجميع، كذلك لا يريدون أن يروا الصين "صانعة سلام" في العالم، وقد جنّ جنونهم من رعاية بكين للاتفاق السعودي الإيراني ولا يزالون في حال ارتباك واضطراب وصدمة جراء السرعة في تنفيذ الاتفاق من جهة، وقرار خفص إنتاج النفط من جهة ثانية الذي اتخذته السعودية ودول أخرى عضو في أوبك والحبل على الجراّر. 
إنها سياسة العناد والهروب الى الأمام والإصرار على الهيمنة والتفرّد التي لن تنجح. أما شعار "السلام الشامل والعادل" فقد سقطا في امتحان فلسطين التي لا تزال اسئلتها مطروحة عليهم: كيف تريدون سلاماً شاملاً وعادلاً ودائماً واستقراراً وأنتم تؤيدون الإرهـــاب على أرضنا وتتمسكون ببقاء اسرائيل الدولة التي تمارســـه الأقوى في المنطقة؟؟ 

المصدر : جنوبيات