بأقلامهم >بأقلامهم
دولة الاحتلال ومتغيرها وفي تأثير تغييره(3/3)
دولة الاحتلال ومتغيرها وفي تأثير تغييره(3/3) ‎الجمعة 7 04 2023 00:23 ياسر المصري
دولة الاحتلال ومتغيرها وفي تأثير تغييره(3/3)

جنوبيات

ومن الأهمية في معرض الحديث عن ما يذهب إليه مجتمع كيان الإحتلال التذكير بأن تشكيل هذه الحكومة الحالية له من الركائز في بيئة الإنتخاب والإتجاه المجتمعي الكلي في هذا الكيان، خصوصا أن الإنتخابات التي خرجت بتشكيل الإئتلاف الحكومي الحالي جاءت بعد فشل تمرير قانون أنظمة الطوارئ من قبل الحكومة السابقة بزعامة يئير لبيد، وهذه الأنظمة التي يتم من خلالها معاملة المستوطنين معاملة الإسرائيليين في الأراضي المحتلة العام 1948، وأن هذه الإنتخابات كانت الخامسة خلال أقل من أربع سنوات(2019-2022)، وما جاء في نتائج كل إنتخابات في هذه السنوات هو نمو الصوت الإنتخابي الذي يعزز حضور الصهيونية اليمينية، وأن المناخ الأيديولوجي العام في كيان الإحتلال يعمل وفق ما يحقق لهذه الصهيونية الحضور كقوة تسعى لتنفيذ مفاهيمها ومنطلقاتها العنصرية والإحتلالية، ولعل صورة الماضي يمكنها أن تبث مرتكزات ومحددات هذه الصهيونية من حيث الأهداف والبيئة والتطلع، فبعد انتهاء حكومة الوحدة التي كانت العام 1991 بزعامة اسحق شامير تم تشكيل حكومة ضمت حزب موليدت ( رحبعام زئيفي) وقد جاء إنضمام هذا الحزب لتحمل الضغط الدولي الذي كان يضغط على كيان الإحتلال للذهاب إلى تسوية، ومنطلقات هذا الحزب كانت مستمدة من حركة غوش ايمونيم (1974- 1988) والتي تسند تصورها للتعامل مع الشعب الفلسطيني صاحب الأرض وفق خرافة التوراة كما تعامل يوشع بن نون مع الكنعانيين القدامى بوضعهم في خيارات ثلاثة أولها الرحيل وثانيها الخضوع وثالثها القتال، وقد كانت تتبنى هذه الحركة ممارسة النشاطات الإرهابية تحقيقا لمقولة غوش انيمونيم " في سبيل الإستيطان يجب أن تكون الحياة قاسية بل مستحيلة للفلسطينيين على أمل أن يهجروا البلاد" وقد عملت هذه الحركة على معارضة الانسحاب من سيناء وفقاً للمعتقدات العنصرية بأن سيناء أرض إسرائيلية وأن الميثاق الإلهي يفرض عليهم التمسك بالأرض وبناء الإستيطان عليها على اعتبار انهم شعب مقدس وفريد ومنشأه إلهي وأن التفريط بالأرض يمس الميثاق الإلهي الذي وضعهم في هذه المرتبة والخاصية، وقد كان حزب الليكود ما بعد حرب الخليج لا يعارض إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الأراضي المحتلة العام 1967 باستثناء القدس، وهذه الحركة وما تفرع عنها كانت تعارض مثل هكذا طرح أو افكار وقد عملت على تشكيل تنظيمات سرية بهدف إلحاق الأذى بالشعب الفلسطيني وتدمير ممتلكاته وبث الرعب والخوف به في سبيل تحقيق مقولة غوش ايمونيم لجعل الحياة قاسية ودافعة إلى اللجوء والهجرة، ومن جرائم هذه الحركة ما قامت به من أعمال قتل وتدمير (1980 – 1984) تفخيخ سيارات رؤساء بلديات(2/6/1980) وقد إنفجرت عبوتين من ثلاث عبوات في نابلس ورام الله وتفكيك الثالثة، وعملت هذه الحركة على قتل ثلاثة طلاب، وإصابة 30 أخرين في الكلية الإسلامية في الخليل، وكانت تعد خطة لهدم مسجد قبة الصخرة، ومخطط أخر لقتل المسافرين الفلسطينيين في خمسة باصات في شرقي القدس.

وقد لحق ذلك تشكيل تنظيم مسلح من المستوطنين أطلق على نفسه " السلامة على الطرق" وكان الهدف من هذا التشكيل تعزيز الإستيطان وإيجاد قوة عسكرية للمستوطنين في الضفة الفلسطينية وتشريع هذا التنظيم، والذي تبعه تشكيل تنظيم "منظمة دولة يهودا" والهدف من هذا التشكيل المسلح والإرهابي كان أنذاك هو الإعداد لإقامة دولة يهودية مستقلة عن كيان الإحتلال إذا انسحب الإحتلال من الضفة الفلسطينية تحت أي تسوية يمكن ان تكون، وقد كان أنذاك مباحثات الملك حسين مع وزير خارجية كيان الإحتلال في لندن العام 1987، والتي كان من الممكن أن تؤدي إلى تسليم الضفة الفلسطينية للأردن من دون القدس وغور الأردن بحسب التصور لدى كيان الإحتلال أنذاك لقطع الطريق على منظمة التحرير الفلسطينية في تمثيلها للشعب الفلسطيني سياسيا.
وإن حكومة الإحتلال في هذه الأيام تعود في تغييرها القائم لتضفي شرعية على امتداد هذه الحركة الصهيونية اليمينية بكل تفرعاتها ومنطلقاتها وأوهامها، في محاولة لإعادة إنتاج ما فشل في السابق وسيفشل في المستقبل عبر تغيير فلسطيني في الأدوات والإتجاه في إدارة الصراع مع كيان الإحتلال المتغير، وإن بن غفير وسومتريتش في سباقهم مع الوقت لتغيير بنية الإحتلال ككيان وأهداف ولحسم بعض المعيقات والإشكاليات الداخلية في الكيان من إشكالية الدين والدولة ، وإشكالية نمط التعليم بإلغاء تعليم الإنجليزية والرياضيات والعلوم وغيرها من المواد التعليمية في مدارس الكيان، والإشكالية فيما يتعلق بالدولة العميقة التي يتحكم في مؤثراتها النخب الإشكنازية (الأصول الغربية)، وما يتعلق بالإستيطان وعقيدة الأساطير التوراتية في عمق مطامحها في الضفة الفلسطينية مرتكزين بذلك على المناخ الأيديولوجي والرأي العام الذي ساهم في تعزيزه الصهيونية الإشتراكية والعلمانية في اعدامها لفكرة وجود حل الدولتين.
ولعل الصهيونية الدينية القائمة اليوم بكل عوامل ومناخ نموها تعمل في كيان الإحتلال على التغلب على هذه الإشكاليات السابقة بما تملكه اليوم من قدرة تشريع لم تكن تملكها فيما مضى، ومستغلة بذلك مجموعة من العوامل القائمة غير آبهة بما سيكون من تحديات كامنة في عمق الأزمة التي تواجه الفلسطينيين والتي دائما ما تبدع في صقل ما يلزم للمواجهة، ولعل الماضي القريب كتجربة والبعيد مسافة في الايام ( أربعين عاما ) قد تلاشت بها امتدادات وأفكار غوش ايمونيم التي تنطلق من منطلقاتها الصهيونية اليمينية هذه الأيام لحظة إندلاع الانتفاضة الفلسطينية العظمى العام 1987، حيث غيرت هذه الإرادة الكلية الفلسطينية عقيدة أكبر جنرالات الإحتلال (إسحاق رابين) والذي اقتنع يقينا وواقعيا كعسكري تبنى كل نظريات السيطرة والإحتواء ومحاولات تغيير الإتجاه الفلسطيني الذي كان يعزز حضوره النضالي في كافة المجالات والمناحي للحياة، وهو الذي حاول مفاوضة الأسرى الفلسطينيين في سجن النقب للبحث عن حل لا يكون ذو مضامين سياسية وبعيدا عن منظمة التحرير الفلسطينية، ليخرج بقناعة كانت راسخة لديهم بضرورة الإنفصال عن الشعب الفلسطيني وأن منظمة التحرير الفلسطينية لا مفر من الإقرار بها سياسيا وتمثيليا لنضال الشعب الفلسطيني، ورافق ذلك إنكسار الصهيونية اليمينية بكل تشكيلاتها ودحرها إلى ما خلف تكوينها وبحثها عن أوهام الواقع الفلسطيني يجيب على عدم قدرة هذه الصهيونية من الربط ما بين الخيال والوهم في حبل من الاستعلاء بقوة المحتل وقدراته، ولعل اليوم يعيد الماضي عبر الربط ما بين حقيقة جديدة يتشكل ميلادها عبر دفع الفلسطينيين على كل فلسطسن التاريخية لجعل هذه الصهيونية تواجه الحقيقة الواقعية والطبيعية.
وإن كان كيان الإحتلال في هذه الأيام يحاول أن يعيد تصوير الفلسطيني كما يتصوره ما قبل الإنتفاضة المباركة الأولى، من حيث المقاربات التالية :
الأولى أن الأفق السياسي المنعدم وعدم وجود تصور أو فرصة لوجود حل للصراع وفق توافق إرادتي الصراع "إرادة الفلسطيني وإرادة كيان الإحتلال"، وأن التصور القائم يأتي من خلال التصور الشمولي لتأبيد الإحتلال وعدم الإمتثال لحال الطبيعة التي تفرض وتكرس الوجود الفلسطيني من حيث إمتداد إرث حضاري وتاريخي عابر لعصور وتاريخ لم يستطع الإحتلال بكل أساطيره المختلقة والمبتدعة من نقض هذا الإرث الفلسطيني، وهذا ما يدخل التصور إلى الحالة الثانية المتمثلة بأن الصهيونية اليمينية تعيد تعريف الإحتلال بمفهوم جديد يتسع لكل أنواع الإرهاب وما ينسجم وتعريف الإحتلال كتناقض مطلق مع كل القيم الحية التي تعبر عن الحرية والإنسانية من خلال أوسع التعريفات والدلالات.
إن تكريس الإحتلال بأفكار وبعض محاولات الصهيونية اليمينية للتمدد إستيطانا فإنه يكون بذلك يخلق من الأزمة القائمة ( إنغلاق الأفق السياسي لحل الدولتين وانتهاء مسيرة التسوية بتغيير كيان الإحتلال) فإنه يخلق فرصة فلسطينية لا يستطيع الإحتلال إحتواءها (كما حدث في ميلاد الإنتفاضة المباركة الأولى)، وقد يكون من فواتير التسوية التي دفعها الفلسطينيين في هذه الأيام هو غرق الكل في نتائج التسوية السلبية فلسطينياً ( وجود سلطة وفق التسوية ووجود معارضة تحكم وفق نتائج التسوية لجزء من المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة) ومحاولة الإحتلال إغراق الحالة الفلسطينية بحالة ليست مستقرة من الإدارة عبر زيادة مساحة التباين في الجغرافيا الفلسطينية إداريا وأمنيا، غير أن هذا كله ستجيب عليه طبيعة الحالة التي تغير بها كيان الإحتلال، وتخلق فرصة ميلاد ما لم يكن متوقعا حتى من قبلنا نحن الفلسطينيين، فالإنتفاضة المباركة الأولى لم يخطط لها أحد، ولم يكن ليتصورها أحد لا من قريب ولا من بعيد، وكل ملامح المستقبل لا بد أنها تحمل بحمل ينسجم مع الطبيعة التي تذهب لجعل التوازن سمة الطبيعة، فمن غير المتوقع إستمرار حالة حكم الفلسطيني من قبل إدارتين متمثلتين بإرادتين متناقضتين (إرادة الأحتلال وإرادة الفلسطيني) وتنامي صهيونية يمينية ترى بإستسلام أو برحيل أو قتل الفلسطيني حق توراتي خرافي مبنى على خزعبلات لن تنتج سوى مزيدا من صلابة أكبر لدى كل جيل فلسطيني يأتي بعد جيل.
ولعل من دلالات التصور السابق وجود حالة التناقض والصراع الهادئ الذي لا يقوده من كان عليه قيادته واستثماره( النخب) وهذا الصراع الهادئ الممتد بين فكرتين، الفكرة الاولى المتمثلة بين فكرة السلطة والتي كان عليها أن تدير إدارة تعزز صمود الفلسطيني وتهيء مؤسساته لقيام الدولة وتحقيق الإستقلال، والتي فشلت حكما بما وصلت له من حالة وجود سلطة دون سلطة وحالة تباين في إدراة سلطة بين جغرافيا متباينة ومنطلقات متعارضة( وجود السلطة في الضفة وحكم حماس لغزة) وهذه السلطة التي لم تنجز أهدافها بعد ثلاثون عام على التسوية، وما تحتاجه هذه الفكرة من شرعيات لحماية وجودها وعدم تأثرها في واقع غير مستقر بما يميل بها إلى عدم وجود توازن يؤكد قدرتها على الإستمرار، وبين فكرة سلطة الفكرة والتي يحملها الجيل الحالي والذين ولدوا ما بعد وجود التسوية وقيام السلطة، وسلطة هذه الفكرة وشرعيتها واحدة وثابتة ومستقرة ما دام الإحتلال مستمرا وموجودا، ولن يستطيع أحد (جماعة أو أفراد) مهما كان وكيف يكون من تجريد هذه الفكرة (سلطة الفكرة – الحرية والإستقلال) لا تستطيع فكرة السلطة الإستناد عليه فمن المؤكد أن فكرة السلطة في خطر وخطر ليس بالعادي ولن تملك من أدوات التجديد أو التجدد سوى الإلتقاء مع سلطة الفكرة التي هي طبيعة وجوهرا وحدودا أوسع وأبعد من فكرة السلطة مهما كان نوع هذه السلطة.

المصدر : جنوبيات