بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - الحجّ المسيحي
من الطبيعي أن تكون مشاهد المصلّين المحتشدين في الأماكن المقدسة في #فلسطين مصدر إزعاج وقلق لدولة الاحتلال، في المسجد الأقصى أم في كنيسة القيامة لا فرق، فمشكلتها هي مع أي مشهد احتشاد كبير يُظهر حقيقة ملكية هذه الأرض وانتمائها وفقدان شرعية احتلالها.
العنصر الديني في تكوين العقل الإسرائيلي هو الأساس، وجميع القوى السياسية فيها والأحزاب الدينية وغير الدينية تؤمن بأن دولة الاحتلال وطن قومي لليهود ولا يقتصر ذلك على المتطرفين. وإسرائيل دولة دينية بكل معنى الكلمة، ليس فقط بسبب قيامها على الروايات التوراتية المشوّهة والمسخّرة لتبرير اقتلاع أهل البلاد والاستيطان مكانهم، بل أيضًا لأن قوانينها وسياساتها منذ نشوئها تثبت ذلك وهي كما هو معروف تعطي الحق بالجنسية لكل يهودي مهما كان أصله بمجرد قدومه إليها.
في المسيحيّة نشأ عهد جديد وأصبحت التوراة والديانة اليهودية عهداً قديماً، لكن بعض من لم يقتنعوا واستمروا على العهد القديم أنشأوا دولة الاحتلال. ومشهد المصلّين والحجّاج المسيحيين ولا سيما الملتمسين بركة النور الذي يفيض يوم سبت النور الذي يسبق أحد الفصح من القبر المقدّس، مزعج لأهل العهد القديم ودولة الاحتلال، لأنه ظاهرة عالمية لا يقتصر الاشتراك فيها على الحاضرين بل يتم توزيع شعلات من ذلك النور الذي يوقد النار في شموع البطريرك تُنقَل إلى دول عديدة في العالم وفي المنطقة ولا سيما إلى الدول التي لا تزال في عداء مع دولة الاحتلال ومنها لبنان.
تعمل سلطات الاحتلال على التضييق على الكنيسة ومنع أعداد كبيرة من الحجاج من حضور المناسبة ما أدّى إلى صدور بيانات استنكار كنسيّة. ومشكلة الاحتلال تكمن في بقاء الرابط الروحي بين المسيحيين والأماكن المقدسة المحتلة قويًّا. لأن استمرار تعلّق أهل هذه الأرض بالأماكن المقدّسة وتوقهم المستمرّ إليها رغم حرمانهم المزمن من الحقّ بالحج إليها بسبب الاحتلال، يمنع إسرائيل من استكمال تصوير الصراع بأنه إسلامي يهودي وبالتالي تصوير نفسها على أنها دولة ديمقراطية على النمط الغربي تحاول البقاء في محيط إسلامي.
بعد يوم على ذكرى 13 نيسان وقبل يوم من سبت النور، لا بد من القول بأنه صحيح أن السلاح الفلسطيني الذي استعمل في لبنان ترك جرحًا في قلوب لبنانيين كثر ولكن معظم اللبنانيين اليوم وبغض النظر عمّا إذا كانوا ممن أيّد ذلك السلاح على أساس إيمانه بأولية الصراع مع العدوّ ولو على حساب وحدة لبنان ووجوده، أو ممّن استخدمه لتغيير معادلة الحكم الداخلية، أو ممّن اصطدموا معه وتصدّوا لما سُمّي بمشروع الوطن البديل، قد أصبحوا على قناعة بأن تلك المحنة دفع ثمنها الجميع ولبنان كوطن ودولة بالدرجة الأولى، وكثيرون يعتبرون أنه ربما كانت توجد سبل أخرى لتجنب ذلك الصدام لا سيما إذا ما قيست الأمور بمقياس النهايات وما آلت إليه أحوال الفرقاء الأساسيين الذين خاضوا الحرب في بدايتها فخرجوا منها جميعًا مهزومين وحلّت محلهم قوى أخرى محلية وإقليمية سيطرت على الأرض والقرار.
اليوم وبعد مرور 56 عامًا على احتلال القدس وبالتالي على منع مسيحيي المشرق من الحج إليها، لا بد من إعادة الاعتبار لموقع فلسطين في الوجدان المسيحي العام شعبياً وكنسياً وعدم التخلّي عنها والاكتفاء بانتظار شعلة النور المقدّس كل عام، بل المطالبة بزوال الاحتلال وإلى حينه المطالبة بالحجّ إلى الأماكن المقدّسة كحقّ من حقوق الإنسان على الأمم المتحدة أن تضمنه وتؤمّن ممرات إنسانية لهذه الغاية تحت سلطتها ودون الخضوع لسلطات الاحتلال.