بأقلامهم >بأقلامهم
"دور لبنان في المرحلة المقبلة"
جنوبيات
.... إن لبنان 1943، نظاماً وتركيبةً ووظيفة ودوراً في المنطقة ، قد انتهى...
ونحن أمام لبنان جديد.. ويخطئ هنا أيضاً من يظن أن دور هذا اللبنان قد تحدّد نهائياً في اتفاق الطائف... وأبرز دليل على ذلك، هو ما جرى وما يجري بعد إقرار الاتفاق ووقف الحرب وبدء مسيرة الإنماء والإعمار والتوحيد وبناء المؤسسات...
إن ثمة عالماً جديداً، يتكوّن.. ونظاماً عالمياً جديداً، يُركّب، ستتفرع عنه أنظمة إقليمية تحدد أدوار أمم وشعوب، إذا عرفت كيف تتعامل مع التطورات، وقرأتها بعين ثاقبة وأحسنت التصرّف استطاعت أن تساهم في تقرير مستقبلها ودورها. وإذا أخطأت أو انحرفت أو غرقت في حروب ومشاكل داخلية- على أنواعها- تورّطت وأصبحت أسيرة ما يُقرَّر لها.. وأخشى أن يكون لبنان واحداً من هذه الدول رغم أن ثمة إمكانيات كبيرة أمامه، ليس لاستعادة دوره الأصلي، لأنني أعتقد أنه إلى غير رجعة، ولكن لتعزيز دوره المستقبلي في المعادلة القائمة الآن والتي تخطط لنظام إقليمي جديد، يمكن للبنان أن يكون له دورٌ وحصةٌ فيه أوسع وأكبر مما يريده أعداؤه والمتربصون به والمصرّون على إهدار طاقاته والخائفون من إمكاناته البشرية المالية وثرواته...
..... إن اتفاق الطائف فرصة كبيرة لوقف الحرب، كان لا بد من الاستفادة منها لتثبيت السلم الأمني والانتقال إلى مرحلة تحقيق السلم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي...
كان على اللبنانيين جميعاً أن يستفيدوا من هذه الفرصة لإنقاذ ما تبقى من بلدهم وحمايته ولإقرار التسوية السياسية وتثبيتها والاستفادة من دروس الحرب وعبرها، وكان على السلطة أن تلعب دوراً أكثر فاعلية .
إسرائيل : رفضت تطبيق القرار 425.
أميركا ساندتها في ذلك.
والاثنتان عادتا إلى ربط أزمة لبنان بأزمة المنطقة، وعلى هذا الأساس أدخل لبنان مفاوضات التسوية.
المساعدات المقررة للبنان لم تأتِ.
استمرت محاولات إسرائيل وأميركا الضغط على لبنان، ومن خلاله على سوريا لجرّهما إلى مفاوضات السلام بالشروط الإسرائيلية (الحظر على لبنان، منع الـMEA من الذهاب إلى أميركا- الإرهاب – الوضع المتفجر في الجنوب....).
.... أداء السلطة لم يكن في المستوى المطلوب.
إنفاق مالي على أساس أن المساعدات ستأتي، فغرق لبنان في أزمة اقتصادية اجتماعية خانقة.
استقالة فعلية من أي عمل جدّي لحماية لبنان، ووقف حالة الانهيار.
تغليب المصلحة الفئوية الشخصية على المصلحة الوطنية العامة.
تعميق الطائفية والمذهبية على مستوى السلطة.
الانقسامات لا تزال قائمة في البلاد، والسلطة لا تتمتع بالمصداقية الكافية.
تخبط في الإدارة السياسية وفساد في الإدارة العامة.
في هذا الجو يدخل لبنان مفاوضات السلام... وقد بات معلوماً أنه بعد تفرّد أميركا بالقرار الدولي، بدأت المفاوضات على أساس التزامها المسبق بإبقاء إسرائيل الدولة المتفوقة استراتيجياً في المنطقة، والمفاوضات مرسوم لها أن تؤدي إلى رسم حدود جديدة وأدوار جديدة، وهي في نظر أميركا وإسرائيل مفاوضات يجب أن تؤدي إلى سلام قائم على الانفتاح الاقتصادي، والتعاون الاقتصادي، وفتح الحدود والتمثيل الدبلوماسي والتطبيع الشامل..
وبالتأكيد، فإن لبنان مستهدف من كل هذه العناوين.. ولذلك أقول إن دوره في المرحلة المقبلة لن يكون كما كان عليه سابقاً.
...... لبنان، بعد نكبة فلسطين عام 1948 وقيام إسرائيل ومقاطعة العرب لها شيء، ولبنان بعد تكريس وجود إسرائيل واعتراف العرب بها، والانفتاح عليها، وإمساكها بالمفاتيح الأساسية، شيء آخر.
.... الوقت ليس لمصلحتنا . يجب حسم أمورنا وتحضير ملفاتنا. وقبل الإقدام على طرح مشاريع كبرى وتقديم الوعود والأحلام والأوهام للبنانيين ليفاجأوا لاحقاً بأنهم ينتقلون من أزمة إلى أزمة، يجب التصرف على أساس أن ليس ثمة مساعدات من جهة، والتفكير بدور لبنان المستقبلي من جهة ثانية.
..... هل سيعود مرفأ بيروت إلى دوره الطليعي، أم أن دور وحركة مرافئ حيفا وايلات وأشدود ستكون الأقوى في ظل الخطة الجديدة للمنطقة (قرب المسافات والترانزيت مع الدول العربية).
هل ستعود الحركة إلى مطار بيروت كما كانت عليه، أم أن مطارات المنطقة وإسرائيل ستؤثر عليه؟؟
ما هو نصيب لبنان من مشاريع المواصلات المعدة للمنطقة؟؟ ويقال بأنه ليس كبيراً.
ما هو دور لبنان في المياه؟؟
هل وضعنا احتمالات دخول المصارف العالمية إلى لبنان ؟؟
ما هو مستقبل الثقافة العربية في لبنان؟ دور الجامعة.
كيف سيتأثر لبنان بالغزو الإعلامي؟
كيف سيتأثر لبنان زراعياً في ظل سياسة إسرائيل اعتماد المنطقة العربية كلها سوقاً استهلاكية لها.
كيف سيتأثر لبنان صناعياً؟؟ أيضاً في ظل هذا الغزو والانفتاح المرتقب؟؟
كيف سيتأثر لبنان اقتصادياً ؟؟ حركة العمال، البطالة؟؟ (دور الاتحاد العمالي العام بالمقارنة مع الهستدروت..) (والبنك الدولي) " .
------------------------------------------
اليوم المشهد اللبناني مؤلم . انهيار تام . تفكّك . شلل مؤسسات . فكرة الدولة تحتضر . فوضى قضائية . فوضى تربوية لا مثيل لها . غياب حسّ المسؤولية . جوع . فقر . ضياع . حالات انتحار في كل المناطق . لا سلطة . لا مسؤول . الخارج لعب لعبته وفق برنامج مصالحه . هذا حقه . الداخل تخلّى عن مسؤولياته . لعب لعبته السيئة وهذه هي نتائجها وخطيئته الكبرى . ( دون تعميم ) من حارب الفساد وحاسب الفاسدين حاربوه . ومن اعتمد منطق الدولة ، والإنماء المتوازن فيها ، والمعيار الواحد في التعاطي وهو حقوق الناس قاوموه وانتقدوه . ومن رفع الصوت ضد هندسات المصرف المركزي ، ودور بعض الصارف عاتبوه .ومن حمى حرية الإعلام وفضح ألاعيب الداخل اتهموه . ومن دعا الى تحكيم لغة العقل والمنطق والحكمة والواقعية في مقاربة الأمور ، ونبّه الى مخاطر لعبة الخارج صنّفوه في خانة " الآخرين " . ومن ثاروا لاحقاً على كل ذلك أخطأوا الإدارة وأساؤوا الى نبل المطالب والقضية ، واعتمدوا شعار " كلّن يعني كلّن " فارتكبوا خطيئة ، وسبّبوا ما سبّبوه ، واليوم هم في غياب شبه تام . قضية المرفأ والشهداء وأهاليهم والمتضررين تكاد تكون منسية لأن سفيرة دولة كبرى طلبت ما طلبته وكان لها ما أرادت . انهيار مالي وقصور في المعالجات في الداخل وخارج يبتز ، والدولار وصل الى حدود المئـــة وخمسين ألف ليـــرة لبنانية ولا حركة فعلية أو صوت اعتراضي بعد " الحشد المليوني " في الشارع . خطاب مفجع في المجلس النيابي ، خفّة استثنائية في العمل الحكومي . متاريس مختلفة بين القوى السياسية ومن يدعو الى لغة العقل والواقعية والتسوية يهاجم !! " لا يلغي ذلك حقيقة تحدّي الإعمار الذي انبرى له الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكان هذا عنصراً من عناصر مواجهته حتى استشهاده رغم كثير من الملاحظات على الأولويات وآليات التنفيذ وحقيقة خطوات كثيرة تحققت وأبرزها : عودة المهجرين ومصالحة الجبل وتحرير الأرض من الاحتلال الاسرائيلي دون أي ثمن " .
في زمن القيامة ، تبدو قيامة لبنان ، ولو بدوره الجديد المتواضع بعيدة المنال .