بأقلامهم >بأقلامهم
"التذمّر والبكاء آفة الضعفاء"!
جنوبيات
يُحكى في زمان الضّجر، والنّقش على الحجر، والبُعد عن نقّ البشر، أنّ رجلًا صالحًا مشهور بحكمته ودرايته، كان يأتي الناس إليه من كلّ حدب وصوب لأخذ مشورته والردّ على بعض التساؤلات.
وقد كانوا في كلّ مرّة يعيدون الكرّة، فيحدّثونه عن ذات المشاكل والمصاعب التي تواجههم، حتّى ملّهم وسئمهم.
وفي أحد الأيّام دعاهم الرجل الحكيم إلى مائدته، فقدّم لهم أزكى أنواع الطعام والشراب المصنوع من العسل الفاخر.
وما إن انتهوا من الأكل والشرب حتّى قصّ عليهم إحدى النكات الطريفة والخفيفة والظريفة، فانفجر الجميع بالضحك مع قهقهات صاخبة. ثمّ أعاد عليهم النكتة ذاتها مرّة أخرى، فابتسم عدد قليل منهم. ثمّ ما لبث أن أعاد رواية النكتة ذاتها للمرّة الثالثة، فلاذ الجميع بالصمت، ولم يضحك أحد، وكأنّ على رؤوسهم الطير!
عندها ابتسم الحكيم وقال لهم: "لا يمكنكم أن تضحكوا على النكتة نفسها أكثر من مرّة، فلماذا تستمرّون بالتّذمّر والبكاء على المشاكل نفسها في كلّ مرّة"!
وعليه، لا تكثر الشكوى للناس، واجعل شكواك لربّ الناس. فالشكوى لغير الله مذلّة. فقد ضاقت صدور النّاس لبلواهم فما عادوا يحتملون.
وفي قصيدة رائعة جدًّا ومعبّرة للشاعر كريم العراقيّ نقتطف جزءًا منها يقول:
"لا تشكُ للنّاس جرحًا أنت صاحبه…
لا يؤلم الجرح إلّا مَن به ألمُ…
شكواك للنّاس يا ابن النّاس منقصة…
ومن من النّاس صاح ما به سقمُ…
فالهمّ كالسّيل والأحزان زاخرة…
حُمر الدلائل مهما أهلها كتموا"…