بأقلامهم >بأقلامهم
الحضن العربي
جنوبيات
واحدة من علامات التراجع كي لا أقول الانهيار في الحياة السياسية الإعلامية تتمثل في انتشار مصطلحات وكلمات وشعارات مثل " النار في الهشيم " يكرّرها عاملون في السياسة والإعلام في كافة قطاعاته وتصبح لازمة لكثير من التصريحات والمواقف وترد أكثر من مرة في سياق التحليلات والقراءات المحلية والاستراتيجية – والكل تقريباً من هؤلاء العاملين استراتيجي في لبنان-.
نقف اليوم عند مصطلح أو شعار " الحضن العربي " . عـــودة سوريا الى الحضن العربي . عــودة لبنان الى الحضن العربي . عــودة العراق الى الحضن العربي . عــودة عـــودة .... الى الجامعة العربية . وأبشع ما في الأمر أن كثيرين من العاملين في السياسة من الذين وقع الخلاف معهم على انتماء لبنان العربي ويدعون الى التقسيم أو الفدرالية أو الطلاق في لبنان هم الذين يكرّرون بشكل لافت شعار " الحضن العربي " . لا أحد يفكر أين العربي ؟؟ أين العربي في السياسة ؟؟ ما هو المعيار والمقياس ؟؟ أين الحضن العربي الدافئ ؟؟ مَن يحضن مَن ؟؟ وعلى أي أساس ؟؟ وهل يبقى المحتَضن محضوناً والحاضِن حاضِناً ؟؟ لماذا إذا بقي ولماذا إذا انقلبت الأمور وثمة وقائع واضحة في هذا المجال ؟؟
- أين الحضن العربي في السودان اليوم ؟؟ جنوب السودان أصبح مستقلاً وفي حضن اسرائيل !! واللذان يتقاتلون في المناطق الأخرى كل واحد منهما يحضنه " حضن عربي " والحاضنون يديرون القتال لأنهم مختلفون ويتسابقون على نفوذ وامتدادات سلطة ويتلاقون مع " أجندات " خارجية لا علاقة لها بالعرب والعربي والعروبة ؟؟ والأنكى والأوضح هو أن اسرائيل تتصل بطرفي القتال وتدعوهما الى حضنها للتفاوض عندها والتصالح وإعادة الأمور الى نصابها !! ويحدثونك عن الحضن العربي .
- أين الحضن العربي ودول عربية ذهبت الى الحضن الاسرائيلي ؟؟ في وقت اسرائيل تقتل وتهجّر وتدمّر وتتوسّع وتنتهك المقدسات ، ودول غربية ومنظمات تطردها من أحضانها ومنظمات أخرى لا تقبل انضمامها الى أحضانها بسبب هذه الممارسات الإرهابية واستباحة القرارات الدولية والحقوق الفلسطينية ؟؟
- أين الحضن العربي ودول عربية تحاصر دولة ثم تفك الحصار ؟؟ هكذا يحاول الحضن العربي خنقها وتستقبلها أحضان أخرى غير عربية ثم يقولون إنها عادت الى الحضن الأول ؟؟
- أين الحضن العربي في ليبيا وهناك أحضان عربية وتركية وروسية وأميركية تتسابق على النفوذ والتمدّد والثروة وليبيا ممزقة ؟؟
- أين الحضن العربي في اليمن وقد جرى ما جرى فيه ، واليوم يتحدثون عن العودة الى الحضن العربي ولكن الواقع يؤكد وجود حضن عربي ينافس حضناً آخر وحضناً أميركياً وبداية تكوّن حضن اسرائيلي ، وحضناً روسياً ، وحضناً إيرانياً واسعاً ؟؟
- أين الحضن العربي في سوريا ؟؟ وثمة احضان عربية تقاتلت وقاتلت على أرضها منها من انكمش على العودة الى المربع الأول ومنها من لا يزال مصراً على موقفه ، في ظل الأحضان التركية والإيرانية والروسية والأميركية والبريطانية والفرنسية وغيرها وغيرها ، والشعب السوري مهجّر في الداخل . نازح الى الخارج . دياره مدمّرة ولم يبق من سوريا شيئ من الذي كنا نعرفه . وثمة من يتحدث عن عودة سوريا ونظامها الى الحضن العربي ، والنظام يعلن بوضوح أنه ليس مستعجلاً والأولوية عنده هي للعلاقات الثنائية ويرفض الحوار حول الأساسيات والانسحاب من الحضن الذي ضمّه عندما كانت أحضان عربية تقاتله كما يكرّر القول أمام المفاوضين والعائدين إليه ؟؟
- أين الحضن العربي في العراق في ظل أحضان إيرانية وتركية وأميركية واسرائيلية في حدود معينة وصراعات أحضان متنوعة ؟؟
- أين الحضن العربي في لبنان في ظل الأحضان الإيرانية والأميركية والفرنسية ( الأم الحنون ) والاسرائيلية ، والانقسامات اللبنانية الموزعة رموزها على تلك الأحضان التي تتداخل وتتعارض أحياناً فيكون ضياع واختلال واهتزاز ، فيما رموز تتلاعب معتقدة أنها تتشاطر على هذه الأحضان ، ورموز أخرى تعاني معاناة كبيرة لضعف الموقع والموقف العربيين ومزايدات واستقواء " انفصاليين " به ؟؟
- وقبل الأخير ، وبداية ونهاية كل المسارات فلسطين . أين فلسطين في الحضن العربي؟؟ أين دولتهــا وحق أهلهــا ونحن على أبواب ذكــرى النكبة وقيام دولة الإغتصاب والإرهاب ؟؟ هل إذا اختلف الفلسطينيون أهل القضية أو اختلف الآخرون بعيداً عنها وهم أهل القضية أيضاً ، هل يكون الموقف بالذهاب الى اسرائيل والحديث عن المصالح العربية والحقوق العربية والحضن العربي ؟؟
- أما الجامعة العربية ، فماذا بقي منها لتكون حاضناً ؟؟ من يلتزم وكيف يمكن أن يلتزم الذين يقيمون في المواقع التي أشرنا إليها ، بمواثيقها الدفاعية المشتركة وضد مَن ومع مَن ؟؟
لقد تغيّر كل شيئ في المنطقة . المطلوب إعادة نظر وتفكير هادئ موزون مدروس بما جرى ويجري واستشراف المرحلة المقبلة . وقد لا يكون متاحاً اليوم إعادة تعزيز الحضن العربي كاملاً ولو بعمليات جراحية متتالية لكن يجب أن تبقى فلسطين جامعاً وألا تُترك اسرائيل تستبيح على أرضها كل شيئ . هذه نقطة بداية " إذا بقي في الوقت مهلة " كما يقولون . لتتوقف الثرثرة حول " الحضن العربي " الحالي ولننطلق في هذا الاتجاه دون أن نهمل إيجابية بعض الحركة العربية المتّجهة نحو لملمة ما تبقى لحماية الأمن والاستقرار وتعزيز التنمية والازدهار وهذا يعزّز دعوتنا !!