بأقلامهم >بأقلامهم
رؤية المَلِك"!
جنوبيات
إنّها حكاية من حكايا جدّتي "طيّب الله ثراها":
يُحكى أنّ ملكًا من الملوك أراد أن يبني جامعًا في مدينته، وأمر بأن لا يشارك أحد في بناء هذا المسجد لا بالمال ولا بغيره من العيّنات، إذ يريد أن يكون هذا المصلّى من ماله فقط بدون مساعدة من أحد. وأخذ يحذّر وينذر من معاونة أحد له في ذلك. وفعلًا تمّ البدء في بناء المسجد ووضع اسمه عليه.
وفي ليلة من الليالي رأى الملك في المنام كأنّ ملكًا من الملائكة نزل من السماء فمسح اسم الملك عن المسجد وكتب اسم امرأة بدلًا منه. فلمّا استيقظ الملك من النوم قام خائفًا وفزِعًا، وأرسل جنوده ينظرون هل ما زال اسمه مكتوبًا على باب المسجد. فذهبوا ورجعوا وقالوا له: نعم يا مولاي ما زال اسمك مكتوبًا على باب المسجد. ثمّ قالت له حاشيته: هذه أضغاث أحلام.
وفي الليلة الثانية، رأى الملك الرؤيا نفسها أي أنّ ملكًا من الملائكة ينزل من السماء فيمسح اسمه عن المسجد ويكتب اسم المرأة بدلًا منه. وفي الصباح استيقظ الملك مزعوجًا وأرسل جنوده كي يتحرّوا ما إذا كان اسمه موجودًا على باب المسجد. ذهبوا ورجعوا وأخبروه بأنّ اسمه ما زال موجودًا مكانه بدون تعديل. أخذ الملك العجب والغضب من هذه الأحلام. فلمّا كانت الليلة الثالثة، تكرّرت الرؤيا. ولمّا قام الملك من النوم، تذكّر اسم المرأة التي يُكتب اسمها على باب المسجد في رؤياه، فأمر بإحضارها. فحضرت، وكانت امرأة عجوز فقيرة ترتعش من خوفها. فسألها الملك: هل ساعدت في بناء المسجد الذي بنيته؟
أجابت: أيّها الملك العزيز، أنا امرأة عجوز وفقيرة، وقد سمعتك تنهى عن أن يساعدك أحد في بناء الجامع، فلا يمكنني أن أعصيك أبدًا. عندها قال لها: أستحلفك بالله ماذا صنعتِ كي أرى اسمك منقوشًا على باب المسجد؟ أجابت: والله ما عملت شيئًا قطّ في بنائه إلّا... قال الملك: نعم، إلّا ماذا؟ قالت: مررت ذات يوم بجانب المسجد، فإذا إحدى الدوابّ التي تحمل الأخشاب وأدوات البناء للمسجد مربوطة بحبل إلى وتد في الأرض، وبالقرب منها سطل فيه ماء، وكانت تحاول أن تقترب من الماء لتشرب فلا تستطيع بسبب الحبل، وقد بلغ العطش منها مبلغًا شديدًا. عندها قمت وقرّبت دلو الماء منها فشربت حتّى ارتوت، وهذا ما فعلته صدقًا. فقال الملك: عملتِ هذا لوجه الله فتقبّل الله منك، وأنا عملتُ عملي ليُقال مسجد الملك، فلم يُقبل منّي. عندها أمر الملك بأن يكتب اسم المرأة العجوز على باب المسجد.
لا تحتقر شيئًا من الأعمال فلا تدري ما هو العمل الذي قد يكون فيه دخولك الجنّات أو نجاتك من النيران.
لا تحزن على الدنيا وما فيها، فكلّنا ضيوف على أراضيها.
يقول أحد الصالحين: مسكين ابن آدم، لو خاف من النار كما خاف من الفقر لنجا منهما. ولو رغب في الجنّة كما رغب في الغنى لوصل إليهما. ولو خاف الله سرًّا كما يخاف الخلق جهرًا لسعد في الدارَين.