بأقلامهم >بأقلامهم
"الأصمعيّ.. ونباهة الأعرابيّ"
"الأصمعيّ..  ونباهة الأعرابيّ" ‎الثلاثاء 30 05 2023 08:56 القاضي م جمال الحلو
"الأصمعيّ..  ونباهة الأعرابيّ"

جنوبيات

كانَ الأصمعيُّ يُحدِّثُ في مجلسٍ فاستشهدَ بآيةٍ مِنَ القرآنِ الكريمِ فقال: "والسِّارقُ والسَّارقةُ فاقطعُوا أيديَهما جزاءً بما كسبَا نكالًا مِنَ اللهِ واللهُ غفورٌ رحيم".

فسَألَهُ أعرابيٌّ: يا أصمعيُّ كلامُ مَن هذا؟ 
فردَّ الأصمعيُّ: كلامُ اللهِ!
فقالَ الأعرابيُّ بكلِّ ثقةٍ: هَذا ليسَ بكلام الله! 
هنا انتشرَ اللغطُ في المجلسِ وثارَ النَّاسُ على الأعرابيِّ الذي يُنكرُ آيةً واضحةً في القرآن. لكنَّ الأصمعيَّ بقيَ مُحتفظًا بهدوئهِ ثمَّ سألهُ: يا أعرابيُّ هل أنتَ من حفظةِ القرآنِ؟ قال الأعرابيُّ: لا.
ردّ الأصمعيّ: حسنًا، فهل تحفظُ السورةَ التي تنتمي إليها هذه الآية؟
كرَّرَ الأعرابيُّ نفيه، وبكلِّ ثقةٍ قال: هذه الآية ليست كلامَ الله.
وحسمًا للجدالِ ومع ارتفاعِ اللغطِ تمَّ إحضارُ المصحفِ، وفَتَحَ الأصمعيُّ كتابَ الله وتحديدًا سورة المائدة وهوَ يقولُ بنبرةِ الفوز: هذه هيَ الآيةُ يا أعرابيُّ فاسمع: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ}. ﴿المائدة: ٣٨﴾
ثمَّ فَطِنَ الأصمعيُّ لأمرٍ فقالَ بأعلى صوتهِ: لحظة، لقد أخطأتُ في نهايةِ الآيةِ: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وليس (غفورٌ رحيمٌ) كما قرأتُها!
أُعجبَ الأصمعيُّ بنباهةِ الأعرابيِّ الذي فَطِنَ إلى الخطأ بدون أن يكونَ مِن حَفَظةِ القرآنِ الكريمِ، فسألهُ: يا أعرابيُّ كيفَ عرفتَ ذلكَ؟ قالَ الأعرابيُّ: يا أصمعيُّ، عزَّ إلهي فَحَكَمَ فَقَطَع، ولو غَفَرَ ورَحمَ لَمَا قَطَع!
نعم، لقد لاحظَ الأعرابيُّ بفطرتهِ أنّ الآيةَ تتحدَّثُ عَن حُكمٍ شديدٍ مِن أحكامِ الشرع وهو: قطعُ اليَدِ للسارقِ درءًا للمفاسدِ وتخويفًا لغيرهِ، وليسَ مِنَ المعقولِ أن تنتهيَ الآيةُ بقولِ: "غفور رحيم"، لأنّ هذا المكانَ ليسَ محلّ مغفرةٍ بل مَحلّ حزمٍ وتطبيقٍ للحدِّ الشرعيّ كما نصَّ كتابُ اللهِ تعالى.
حبّذا لو يصار إلى تطبيق الحدّ الإلهيّ بحقّ من نهب وسلب وسرق مقدّرات الدولة اللبنانيّة بكامل مرتكزاتها، فيرينا الله عجائب قدرته فيهم، ويكونوا عبرة لمن تسول له نفسه العبث بأرواح العباد والبلاد. وليس ذلك على الله بعزيز. 

 

المصدر : جنوبيات