بأقلامهم >بأقلامهم
"فتنة فتاة"!
جنوبيات
هذه القصّة أخبرني بها رجلٌ كبيرٌ في السنّ من رعيل الوالد رحمه الله، وذلك أثناء زيارته في منزله للاطمئنان عليه كونه وعملًا بالمثل الشّعبيّ: "من ريحة الوالد".
يُحكى أنّ شابًّا قال لأبيه:
أريد الزّواج من فتاة رأيتها، وقد أعجبني جمالها وسحر عيونها.
ردّ عليه الأب وهو فرح ومسرور، وقال:
أين هذه الفتاة حتّى أخطبها لك يا بنيّ؟!
فلمّا ذهبا ورأى الأب هذه الفتاة أُعجب بها وقال لابنه:
اسمع يا بنيّ، هذه الفتاة ليست من ثوبك ولا من مستواك، وأنت لا تصلح لها!
هذه الفتاة يستأهلها رجل ذو خبرة في الحياة وتعتمد عليه "مثلي أنا"!
اندهش الابن من كلام أبيه وقال له:
كلّا، بل أنا من سيتزوّجها يا أبي وليس أنت!
تخاصما (الأب والابن) وذهبا إلى مختار المحلّة (وهو معروف بحكمته ودرايته) ليحلّ لهما المشكلة.
وعندما قصّا للمختار قصّتهما قال لهما: احضروا الفتاة لكي نسألها من تريد، الولد أم الأب؟!
فلمّا رآها المختار وانبهر من حسنها وجمالها وفتنتها قال لهما:
هذه الفتاة لا تصلح لكما بل تصلح لشخصٍ مرموق في البلد "مثلي أنا". فتخاصم الثلاثة وذهبوا إلى قاضي القضاة يشكون ما حصل معهم.
وعندما رآها قاضي القضاة قال لهم:
هذه الفتاة لن يتزوّجها إلّا "رجل مثلي"، قاضي القضاة والفيصل في القضايا الشائكة.
تخاصم الأربعة عليها حتّى وصل الأمر إلى أمير البلاد.
وعندما حضروا أمام الأمير قال لهم:
أنا سأحلّ لكم المشكلة، احضروا الفتاة أمامي.
فلمّا رآها الأمير قال:
هذه الفتاة لا يتزوّجها إلّا أمير مثلي. وحصل الهرج والمرج، وضجّت القاعة بالصّراخ!
وفجأة ابتسمت الفتاة ابتسامة رقيقة وقالت:
أنا عندي الحلّ!
سوف أركض وأنتم تركضون خلفي، والذي يُمسكني أوّلًا أكون من نصيبه ويتزوّجني!
وبالفعل ركضت الفتاة وركض الخمسة خلفها: الشّابّ والأب والمختار والقاضي والأمير.
وفجأة، وهم يركضون خلفها سقط الخمسة في حفرة عميقة. عندها نظرت إليهم الفتاة من أعلى، وقالت:
هل عرفتم من أنا؟
أنا الدّنيا!
أنا التي يجري خلفي جميع النّاس ويُفتنون بي ويتسابقون للحصول عليّ، ويلتهون عن واجباتهم تجاه خالقهم بغية اللّحاق بي، حتّى يقعوا في القبر وتكون النّهاية وخاتمة السّوء. ورغم ذلك لم يفز بي أحد ولن يفوز!
اللهمّ لا تجعل الدّنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا.
اللهمّ اجعل أعمالنا الصّالحة تسبقنا إلى آخرتنا.
آمين يا ربّ العالمين.