بأقلامهم >بأقلامهم
محمد علي الخطيب الفنّان الشامل الذي كاد أن يصبح عالميًّا ...
جنوبيات
وضّب حقيبته، حملها، أدار ظهره للعالم، وصرخ: "لم أعد أحتمل فراقك يا باسل، يا قرّة عيني، ويا روح الروح، فراقك آلمني ودمّرني ، إنني آتٍ إليك فانتظرني.
"باسل الولد البكر لمحمد علي الخطيب الذي رسمه رسمًا ربّانيًّا ، ولوّنه بتربية ملوّنة بالعلم والثقافة والأدب، رحل عن هذا العالم بطريقة فجائية صادمة لأهله ولعائلته وللجميع ، وبعد أشهر عدّة من رحيل الإبن رحل الأب المفجوع، ليلتحق بابنه في دار البقاء ليتسامرا معًا وليتابعا مناقشة ما توقفا عنده في دار الفناء... محمد علي الخطيب الفنان الشامل المتعدد المواهب رسمًا وشعرًا وأدبًا ومسرحًا ، لقد كان الرسّام المرهف صاحب الريشة المفعمة بعبق التاريخ والفلسفة ، والعين الثاقبة التي كانت تخزّن في الذاكرة كل ما تراه ليتحوّل إلى لوحة فنيّة مبهرة.
والشاعر الذي كان يضجّ حيوية وإحساسًا راقيًا، كما كان يرسم اللوحات هكذا كانت تخرج قصائده لوحاتٍ وصورًا رائعة في الجمال، وكذلك كان رجل مسرح أعطى كل ما بحوزته من أفكار تضيء في عالم الفكر والمسرح، وتتماهى مع كبار المسرحيين العالميين، لقد كان مؤمنًا بعروبته إلا أنه كاد أن يصبح عالميًا بفضل إبداعاته وإنتاجاته وخصوصًا رسوماته... لقد كان عضوًا في الجمعية العالمية للفنانين التشكيليين المحترفين، وعضوًا في إتحاد الكتّاب اللبنانيين، وعضوًا في الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وعضوًا في الجمعية الدولية للفنون التشكيلية إلى جانب كونه أستاذًا متقاعدًا في معهد الفنون الجميلة – الجامعة اللبنانية.
تمّ عرض لوحاته في العديد من المعارض العربية، إلا أن بعض لوحاته عُرضت على معارض أجنبية عريقة أيضًا.
و قد شاهد بعضٌ من كبار العاملين في صناعة عرض و بيع اللوحات في دول غربية غنية، نماذج من لوحاته من خلال صورٍ ضوئية لها، فأظهروا إعجاباً وتقديراً كبيرين، وتفاجأ القيّمون على المعارض في تلك الدول بلوحاته المميزة لدرجة أنّ بعضهم لم يصدّق أنها لفنانٍ عربي من لبنان، واعتقدوا أنها لوحات لفنانين عالميين تعود بالزمن إلى مئات سنين خلت.
لكن مَن عرض اللوحات أكّد أنها لفنان عربي، فطلبوا منه أن يحضر مع لوحاته ليكرَّس فنانًا عالميًا، لكنه رفض إرسال لوحاته الى خارج لبنان خوفًا من سرقتها كما حصل معه سابقًا في دول عربية ، وفي إحدى دول أوروبا الشرقية ، فأغروه بعروضٍ كبيرة لكنه رفض، وبهذا لم تستطع هذه الدول الغربية أن تغريه كي يُخاطر بلوحة واحدة و فضّل أن يُحافظ على لوحاته من أن يجازف بها ويخسرها ، وقد كان من الممكن جداً، وبدرجة عالية من الاحتمال، أن ينجح وأن يصبح عالميًا و ثريًاً جدًاً لو قَبِلَ أن يُجازف بلوحةٍ واحدة ، لكنه لم يقبل.
أواخر عام 2015 زار الأستاذُ محمد علي الخطيب رائدَ الصحافة العربية الحديثة الأستاذ محمد حسنين هيكل في مكتبه في مصر، وقدّم له "بورتريه" رسمه له، أُدهش الأستاذ هيكل باللوحة لدقتها وأهميتها وفنيتها العالية، وبالمقابل شاهد مستنسخات وصورًا ضوئية قليلة من لوحاته، فطلب من الأستاذ الخطيب أن ينظّم له معرضًا كبيرًا في قاعة هيكل في مبنى جريدة الأهرام في القاهرة ، رحّب الخطيب بالفكرة ووافق على ذلك . فما كان من هيكل إلا أن طلب من الخطيب بزيارة مرسمه في صيدا لينتقي لوحات كي يتمّ عرضها في مصر ، وقد تكفّل بمصاريف المعرض كلّها، إلا أن ّ القدر لعب دوره القاسي في شباط 2016 وسلّم هيكل الروح قبل شهر من الزيارة التي كانت مقررة ، وهكذا ذهب المعرض مع هيكل ، ولم يحصل ... هذا هو محمد علي الخطيب الإنسان الوطني العروبي القومي، المناضل والمقاوم على طريقته الخاصّة، إنسانٌ لا ساوم ولا جامل ولا أخفى رأيًأ أو موقفًا اعتنقه ، لقد كان واضحًا صريحًا حاسمًا، لا لان ولا تراجع ولا هادن، ولاتوقف عن إعلان رأيه حتى لو دفع من حياته وأعصابه ثمنًا فادحًا ، لقد كان من النادرين الذين يجعلون القضية التي يؤمنون بها من أولوياتهم ، وقبل مصلحتهم الشخصية، والربح المادي ، ولا يتورعون عن تكبّد الخسائر وبذل الجهد، فكان مثالًا للتفاني والمثابرة والإخلاص في فنه، هذه صفات نبيلة في إنسان نبيل صادق شفّاف.
حقًا، أمام هذه الهالة الفنية يعجز قلمي عن أن يفيها حقها، وتعجزالمفردات والكلمات والجمل عن تقدير حجم الخسارة الكبيرة لي ولجميع محبي الأستاذ محمد علي الخطيب وندعو الله له بالرحمة والمغفرة... اليوم تقف زوجته الدكتورة ذكاء الحر ، ومعها ولدها الدكتور إياد، وابنتها الدكتورة رنيم أمام اللوحات الفنية للزوج وللوالد، وبينهم صورة الدكتور باسل مبتسمًا، والدموع تتغرغر في عيونهم، وفي قلوبهم لوعة الغياب ، وألم الفراق، يرددون: "كيف سنتحمل فراقكم" ؟! ...