بأقلامهم >بأقلامهم
الأردن وفلسطين والخطر الإسرائيلي
الخميس 29 06 2023 09:36
د. محمد مصالحه
جنوبيات
لم يفاجئ نتنياهو أحداً بتصريحاته حول رفض حل الدولتين، فهو بهذا يماهي أقواله مع الأفعال الإسرائيلية على الأرض، إذ أعلنت حكومته عن مخطط لبناء أكثر من٥٠٠٠ مسكناً في أراضي الضفة الغربية، ما يرفع عدد المستوطنين إلى أكثر من ٧٠٠ ألف مستوطن، وهي كتلة بشرية تمثل ثقلاً انتخابياً تدعم المتطرفين لتدمير أي أفق للسلام في المنطقة.
وتأتي تصريحاته هو وجوقته السياسية في الحكم، في وقت تشتد فيه سواعد الشباب الفلسطيني الذي بات غير مبال بهذه التصريحات، ولا باستخدام القوة العسكرية الضاربة، بما فيها الأباتشي ضد الفلسطينين ومنازلهم وأرضهم ومزروعاتهم، معرّضاً المنطقة الى مزيد من التأزيم، وإعادتها إلى أوضاع ما قبل مؤتمر مدريد ومخرجاته.
لقد حذّر جلالة الملك عبد الله في مناسبات لا حصر لها، من بينها ما تحدّث به لمحطة cnn عام ٢٠٢١ من أنّ المنطقة لن تنعم بالسلام دون أن ينال الفلسطينيون حقوقهم بإقامة دولتهم المستقلة. كما أنّ إسرائيل لن تحقّق السلام الذي تنشده دون هذا المتطلب العادل.
لقد حاول الأردن أن يكون شريكاً في صنع السلام على جبهته منذ عام ١٩٩١، وأن يساعد في تسهيل التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين عبر تشكيل وفد مشترك، ومن ثمّ دعم تمكين وفد فلسطيني مستقل عن الوفد الأردني ومماثل له في العدد (١٤) عضواً، ليطالب بالحقوق الفلسطينية مباشرة.
وقد أقرّت الولايات المتحدة واتفاقية السلام حق الأردن بالوصاية الهاشمية، وباركت القيادة الفلسطينية هذا الدور للأردن لحماية الأقصى والمقدسات في القدس، وذلك كما كان عليه الوضع قبل الاحتلال للضفه عام ٦٧.
واليوم، تتنكر إسرائيل لهذا الإلتزام وتكشّر عن أطماعها بشأن ضم كل الضفة، متمسكة بمشروعها التوسعيّ، رغم أنّ الدروس السابقة والمستفادة من هروبها من جنوب لبنان، والخروج مهزومة من غزة، تجعل كل ضم لأرض عربية في هذه المرحلة، إنما هو عملية بلع عسرة الهضم على الاحتلال.
إنّ إسرائيل تبني افتراضاتها التوسعية على العو امل التاليه:
١) الدعم الأمريكي والغربي، باعتبارها قاعدة متقدمة لهيمنتها ونفوذها في المنطقه.
٢) التغيّر المحتمل في البئية الدولية إثر انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وتعطيل الغرب كل مبادرات السلام في أوكرانيا، منها الصينية والتركية والعربية.
٣) مسار التطبيع مع الدول العربية، واحتمال توسيعه وتسارعه، بيد أنّ موقف السعودية الرافض للتطبيع، لعدم جدواه، وما لم يتم إنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، إنما يُعيق عملية التطبيع، لا سيّما وأنّ إسرائيل تتنكر لكل الاتفاقيات الدولية.
٤) حالة الانقسام في الصف الفلسطيني الذى تعمل إسرائيل جاهدة على تعميقه وإدامته، لتزعم أمام الرأي العام الدولي بأنه لا يوجد شريك فلسطيني للتفاوض معه، وهي أصلاً لم تنفّذ ما وقعته مع الطرف الفلسطيني سابقاً.
٥) إنّ إقامة دولة فلسطينية، لم تقبل به إسرائيل عند قيامها، وضغطت على حلفائها لعرقلته، وتحدّث بهذا الشأن "رالف بانش" مساعد المبعوث الدولي الكونت برنادوت عام ٤٨، داعياً إلى اتحاد كونفدرالي بين القسم العربي من فلسطين ودولة عربية.
٥) رفض إسرائيل إعادة اللاجئين الذين أرغموا على ترك منازلهم بفعل العمليات الإرهابية التي قامت بها العصابات اليهودية المسلحة، ومجريات الحرب، وهو ما تحاول حكومة الاحتلال والمستوطنين تطبيقه هذه الأيام، في القرى والمناطق المحتلة في الضفة وفي الجولان ضد الدروز الذين رفعوا عصا الطاعة، وقاوموا أيّ عملية للاستيلاء على أراضيهم.
واليوم، يُعلن نتنياهو عن خططه لإجهاض حل الدولتين، والإبقاء على ما يطلقون عليه "يهودا والسامره"، أيّ الضفة الغربية،تحت احتلالهم.
.
إنّ المطلوب الآن فلسطينياً، هو التركيز على جعل الاستيطان والاحتلال مكلفين، وهو ما ينفذه بجرأة شباب فلسطيني اقتنع بأنه لا مستقبل في وطن ودولة. والمطلوب أردنياً، هو التركيز على دور الوصاية الهاشمية على المقدسات ورعايتها. أمّا عربياً، فالمطلوب هو أن تتحرك الدول المؤثرة في المجموعة العربية: مصر والسعودية وقطر والجزائر والكويت والإمارات، وتقوم بدعم الجهدين الفلسطيني والأردني، بجميع أدوات القوة التي تمكّنهم من مواجهة المشروع الصهيونيّ التوسعيّ على حساب الأرض العربية الفلسطينية، وربما ما بعدها مستقبلاً، كما أظهرت خريطة سموترتش، التي عرضها في محاضرته في باريس قبل أسابيع.
إنّ الوقوف العربي الجماعي، وتفعيل نشاط الجامعة العربية وبعثاتها في الخارج، لدعم الموقفين الأردني والفلسطيني، إنما يُسهم في شد أزر الشعب الفلسطيني ومقاومته لهذا التمدّد الصهيوني المعلن عنه رسمياً. وما محاولات إسرائيل المفضوحة في ممارسة القمع والتنكيل، وهجمات قطعان المستوطنين على أراضي الفلسطينيين ومنازلهم، إلّا تكرار لما فعلته عصاباتهم المسلحة، والتي أدّت إلى وقوع النكبة عام ٤٨، لاحتلال ما تبقّى من فلسطين، في تنفيذ للمشروع الصهيوني. .