بأقلامهم >بأقلامهم
"وقع الكلمة"
جنوبيات
يحيا الإنسان في مجتمع مليء بالتناقضات، ويتعامل يومياً مع العديد من الأفراد، ويتردد على مسامعه الكثير من الكلمات منها الإيجابي ومنها السلبي، لكن ما مدى تأثره بهذه الكلمات التي يسمعها؟ وهل يمكن لكلمة أن تغير مجرى تفكيره؟ أي هل يمكن للكلمة أن ترفعه أو تحطه أو تنقله إلى عالم مختلف؟
في الواقع الحياة كلها كلمة، قد تكون كلمة طيبة ولها الأثر البليغ ، وقد تكون كلمة خبيثة ولها الأثر الأليم، والكلمة إذا خرجت لا يمكن محو أثرها أو التظاهر بعدم سماعها، لذلك يبقى الانتباه لما نقوله للغير والوعي للآثار التي تنجم عن الكلام المنطوق سواء كان مقصود أو غير مقصود.
من جهة ثانية، يعيش كل إنسان وسط ضغوطات الحياة ، فهموم الحياة تثقل كاهلنا وتحمّلنا ما لا نطيق، ونحن نكون بمنأى عن الهموم وعن المشاكل، فما بالنا إذا انهمر علينا وابلاً من الكلام السلبي الذي يثبط عزيمتنا ويرجعنا آلاف الخطوات إلى الوراء، لذلك ما على الإنسان إلا السعي الدؤوب لاختيار أصدقائه مثل اختيار ملابسه، أي لا يحيط نفسه إلا بالإيجابيين والأشخاص الجيدين خلقيا، أي إن الإنسان يؤثر ويتأثر بالكلمة ومهما علا شأنه فإن الكلام الطيب يُحفر في القلوب ويبقى إلى الأبد.
في الواقع إن انتقاء الكلمات في النقاش يبيّن حقيقة العقول التي نناقشها ويظهر لنا مدى الرقي في المحاورة، وبالتالي معرفة طريقة التفكير فالذي يميز إنسان عن آخر هو حقيقة الأفكار التي يعتنقها، والتي تمثل قناعاته عن الحياة التي يعيشها، لذلك نحرص عند المناقشة لانتقاء كلماتنا لا وبل نختار أنفعها وأجملها وأرقّها، فالمجتمع الإنساني لا يتقدم إلا بتقدم أفراده وتطورهم فكرياً وروحيا وإنسانياً، لذلك إن الحرص على اختيار الكلمات هو كالحرص على صحة النقاش وجعله مفيداً لا فارغاً بمعنى أنه مجرد نقاش لا يحتوي سوى على كلمات لا صدى لها ولا وقع لها في النفوس البشرية.
أحياناً قد نلقى إنساناً بوجه بشوش بينما في الحقيقة نكنّ له بداخلنا عكس ما يظهر على وجوهنا، فالظاهر شيء والمكنونات الداخلية شيء آخر، هنا يغدو الصدق بالمشاعر والتفاهم والتوافق الاجتماعي هم الأساس في أي علاقة، وبالتالي تترجم هذه العلاقة إلى كلمات وحوار متبادل، فثمة حاجة إنسانية إلى هذا التبادل في الآراء والأفكار، فذلك يساعد في بلورة الأمور وجلائها ووضوحها، فالإنسان كائن بشري لا يستطيع أن يحيا بمفرده فقد خلقه الله مفتقراً إلى غيره، أي لا يستطيع العيش بمفرده فهو بحاجة إلى الآخر للتوازن النفسي ولحياة اجتماعية صحيّة.
أخيراً يمكن القول أن الكلمة المكتوبة أو المنطوقة شفهياً لها الأثر البالغ في نفوسنا ذلك منذ نشوئنا الأول، لكن مع تعرف الإنسان على نفسه، وتقوية قدراته على التحكمّ بمشاعره، يصبح لوقع الكلام الأثر المحدود والضيق، فهو مع الوقت يغدو سيد نفسه وقائدها الأعلى، لذلك مجاهدة الإنسان نفسه للتعرف على مكنوناتها وكنهها العميق والإبحار فيما يزعجها وفيما يناسبها يساعده على أن يحيا بسلام داخلي وطمأنينة وهدوء نفسي في مجتمع يتواجد فيه كل من الخير والشر.