بأقلامهم >بأقلامهم
"لله درّك يا أبا الحسن"!
جنوبيات
ذات يوم أُعجب الناس بكثرة المصلّين في أحد المساجد، وكان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وكرّم الله وجهه إمامًا لذلك المسجد، فقالوا له:
تخيّل يا إمام كم عدد المصلّين؟
فقال: لا أحد!
ومن هول المفاجأة من هذه الإجابة، قال له أحدهم: هل أنت أعمى؟
وكان سؤاله هذا فيه من قلّة الأدب
وقلّة الاحترام ما تخجل منه النّفس الرضيّة، لكنّ أمير المؤمنين أجاب بثقة المتّقين:
الأعمى من يغمض عينيه عن أرملة أوجع رأسها حمل ثقيل.
الأعمى من توجّه للقبلة وأدار ظهره للأيتام والفقراء.
الأعمى من سجد لله وتكبّر على عباده.
الأعمى من كان في صفّ المصلّين الأوّل في المسجد ولكنّه غاب عن صفوف الجياع وقول الحقّ.
الأعمى من تصدّق يومًا وهو قادر أن يتصدّق دومًا.
الأعمى من صام عن الطّعام ولم يصم عن الحرام.
الأعمى من طاف بالبيت الحرام، ونسي أن يطوف حول فقراء يموتون كلّ يوم من شدّة العوز.
الأعمى من رفع الأذان ولم يرفع أبويه.
الأعمى من صلّى وصام، ثمّ غشّ في بيعه وشرائه.
الأعمى من قام بين يدي الله، وقلبه يحمل حقدًا، وكرهًا، وبغضًا، واحتقارًا لإخوانه المؤمنين.
الأعمى من كان هناك انفصام بين عبادته وأخلاقه ومعاملاته.
الأعمى من صلّى وسجد وصام، وهو يظلم ويناصر الظّلم.
الأعمى من صلّى وصام، ويداه ملطّختان بدماء عباد ربّ العالمين.
الأعمى من صلّى ولم ينتفع بصلاته.
الأعمى من أخذ من الدّين بعضه وترك بعضه.
لله درّك يا أبا الحسن، صدقت إذ تقول: "ومن كان في هذه أعمى، فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا".
ولبلاغة الردّ، ساد الصّمت الجميع، فلا يخلو أحد من نقص أو ذنب.
ولا نزال على هذه الحال حتّى يومنا هذا، فالعميان قد زادوا وأصحاب البصيرة قد قلّوا.
وفي هذا نقول: إنّ اكثر ساستنا وقادتنا قد أصابهم العمى والعمه، والطرش والطنش، والصمّ والبكم عن قول الحقّ والحقيقة.
وعذرًا من الكفيف الذي يركض خلف الرغيف في بلد الحرمان والطغيان وانهيار مقوّمات الكيان.
رحماك يا الله، أنقذ لبنان من براثن الذّئاب التي تأكل لحوم البشر. وعسى أن يصحو المواطن من غفوته ويحارب الفجّار من أجل لقمته.