بأقلامهم >بأقلامهم
حقائق وهوامش
جنوبيات
- الحقيقة الأولى: عندما ارتكبت عصابات "الهاغانا" الإرهابية المذابح بحق أبناء الشعب الفلسطيني لاقتلاعهم من أرضهم وإقامة دولة الإغتصاب والإرهاب اسرائيل عليها، قال "المؤسس" بن غوريون تعليقاً على حجم المذبحة: "اليوم يموت الكبار وغداً ينسى الصغار"!! الحقيقة منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة الحالية، عاش الكبار وماتوا كباراً شهداء وتركوا إرثاً كبيراً هائلاً من التضحية والوفاء والشجاعة وما تركوا حقهم وقضيتهم وإرادتهم. صغار الأمس كبار اليوم يسطّرون بطولات أسطورية وتعترف اسرائيل "الدولة المتفوقة استراتيجياً" في المنطقة برعاية ودعم الأميركيين والغرب، والثابتة الراسخة في ديار العرب المشتتين بأن وجودها مهدد وتستنفر اميركا أكبر حاملة طائرات لديها وأحدث الأسلحة والذخائر ولم يكسروا إرادة صغار الأمس كبار اليوم، وهم يرتكبون أبشـع المجازر ويرفعون أعلى الشعارات: محو "حماس" من الوجود ولن ينجحوا. إنها حرب الحق والضمير والوجدان والأخلاق والإنسانية والوعي والذاكرة ربحها الفلسطينيون اليوم مرة جديدة وخابت قراءة "بن غوريون" وكل "أبنائه" وعليهم ينطبق القول: "مات كبار الأمس وصغار" وكبار "اليوم في الملاجئ في متاهة في ضياع في قلق على وجود".
- الحقيقة الثانية: في الذكرى الخمسين لحرب تشرين المجيدة احتفلت "حماس" على طريقتها. فاجأت اسرائيل والعالم الذي كان يتابع الوثائق والتقارير ويطلّع على الكواليس والأسرار التي سجّلت بدقة كيف كانت رئيسة وزراء دولة الإرهاب غولدا مائير ووزير حربها موشيه دايان في حالة من الصدمة والخيبة والذهول لاختراق الجيش المصري خط بارليف ولتقدّم الجيشين المصري والسوري على كل الخطوط وكالعادة فتحت أميركا جسرها الجوي وحمت اسرائيل. سقوطها تهديد للأمن القومي الأميركي. الإنجاز العربي حققته جيوش آنذاك. اليوم منظمة فلسطينية حقق مجاهدوها وفدائيوها ما يتجاوز نصر الجيشين وهي تتحرك في بقعة جغرافية هي الأخطر في العالم وعليها أعلى نسبة سكانية. محاصرة، مهددة من قبل دولة يتهافت عليها العرب لأنها الأقوى والأقدر، وتمتلك أسلحة وإمكانات لا يمتلكها غيرها، وهم في سقوط مدوّ. إذا كان العالم يتذكر لوعة غولدا مائير ودايان بعد 50 عاماً فإنه لخمسين عام مقبلة ستتذكر الأجيال لوعة عصابة الإرهاب في اسرائيل . صغار فلسطين بالأمس يُسقطون كبار اسرائيل اليوم، وهي في أزمة وجودية. العالم كله مذهول بما فعلته "حماس" ولا أحد يتحدث عن أوكرانيا وحربها والأسلحة الفتاّكة المستخدمة فيها. تجربة "حماس" نوعية، ستبقى أمام صنّاع القرار والخبراء العسكريين والأمنيين والسياسيين والأطباء النفسيين والإعلاميين والباحثين والمؤرخين.
- الحقيقة الثالثة: اسرائيل الساحة
عام 2011 كتبنا أن ثمة دولاً ثلاث مؤثرة في صناعة إقليم جديد على أرض العرب: اسرائيل تركيا ايران. مصير العرب يقرّر على "الطاولة" وهم بالكاد تحتها!! ثم بدأت التحركات في تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، وباتت كل واحدة من هذه الدول ساحة بعد أن كان لبنان لسنوات طويلة الساحة الوحيدة. ثم أصبحت العراق ساحة، واليمن، والسودان لكن فلسطين بقيت القضية، واسرائيل بقيت تعتبر نفسها "القطب الجاذب" "واللاعب الأساس". اليوم، أردنا أم لا، اللاعب الأقوى بين الدول الثلاث: إيران. تركيا الى تراجع، واسرائيل ساحة. ساحة يتابعها العالم لحظة بلحظة. فيها ضياع اسرائيلي. متاهة اسرائيلية. قلق. رعب. مئات القتلى والجرحى والأسرى في أيدي حماس. قبب حديدية فاشلة. أجهزة أمنية مخابراتية متّهمة بالفشل. انقسامات داخلية. اتهامات داخلية. سقوط قيادات. خوف في الجيش. هروب مذلّ. سقوط التكنولوجيا وأجهزة التنصت و"نيران صديقة" تصيب أبناء الجيش الواحد. اقتصاد ينهار. عملة تهوي. هروب ومطارات مقفلة. وأميركا تبحث للهاربين عن معابر برية وبحرية مع دول الجوار، وتستقدم أقوى قواتها وتغطي مذبحة غزة وتجرّب أسلحتها وتناشد الشركاء والحلفاء ومن لهم كلام مع إيران وحماس وحزب الله للمساعدة بدعوة هؤلاء الى عدم التصعيد، والمساهمة في إطلاق سراح الأسرى الأميركيين.
هذه أميركا "الجبّارة" وحدها على الساحة الدولية تستجدي مساعدة لإقناع الثلاثي بعدم توسيع رقعة القتال في مقابل دعوات عبد الملك الحوثي من اليمن وأمين عام كتائب حزب الله حسين الحميداوي من العراق وحزب الله وقادة الضفة في الداخل بالاستعداد للردّ على أي محاولة أميركية اسرائيلية للتصعيد. واضح أمام العالم كله: "اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت" والحقيقة أيضاً ان الحرب هي بين أميركا وإيران.
- الحقيقة الرابعة: سقوط الغرب المدوّي.
الغرب المستكبر بقيادة أميركا التي تريد إسقاط الصين وروسيا ومعاقبة كل من يعارضها ورسم خريطة العالم الجديد الواقع تحت إرادتها، هذا الغرب سقط أخلاقياً وسياسياً وأمنياً وقانونياً في غزة وعلى يد "حماس" دون مبالغة. سقطت أميركا بكل شعاراتها وادعاءاتها التي خاضت وتخوض معاركها على أساسها. هذه غزة تحترق. الضحايا المدنيون الأبرياء العزّل يقتلون بالآلاف ولا كلمة إلا واحدة: "إن لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها". متى وكيف تكونت اسرائيل؟؟ بعد المحرقة التي لحقت باليهود على أرض غربية "ألمانيا النازية" وبأياد غربية وكان الوعد البريطاني بالتعويض بإقامة دولة اسرائيل على أرض عربية وإطلاق عملية معاقبة العرب والمسلمين والمسيحيين وكل من يقيم على هذه الأرض وهم ليسوا مسؤولين عن المحرقة. منذ ذلك الوقت والمحرقة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين خصوصاً مستمرة وها هي أميركا تزج نفسها فيها لتشارك في حرق أبنائها وتنفضح أمام كل العالم ليضطر رئيسها الفاشل ومسؤولوها وأمين عام الناتو الى الحديث عن "ضرورة احترام قوانين الحرب" "وأن يكون الرد على هجوم حماس" متناسباً مع حجمه". إنهم يريدون إنقاذ ما تبقّى من ماء وجوههم وإنقاذ اسرائيل وأسراهم من أيدي "حماس" المنظمة التي هزّت الغرب وأربكت أميركا وهدّدت وجود اسرائيل كما قال الأميركيون، فكيف سيحكم هؤلاء العالم؟؟
- الحقيقة الخامسة: فرصة العرب بعد السقوط.
تحوّلت الدول العربية الى ساحات في السنوات الأخيرة يتلاعب فيها وعليها كل من لديه مشروع أو مصلحة في تصفية حسابات. غالبية العرب (الحكام والأنظمة) في حال خضوع تحت تأثير سحر أميركا واسرائيل والأسلحة والتقنيات وأجهزة التنصت والقبب الحديدية وقهر العقوبات، فراحت تطلب الحمايات والضمانات وتعقد الاتفاقات من أجل الأمن والسلام والاستقرار والإزدهار في المنطقة!! اسرائيل وأميركا اللتان طلبتم منهما الضمانة والحماية هذا واقعهما وهذه حالهما. اسرائيل بعد سقوط قببها وأجهزتها وقواتها تطلب الحماية والضمانة من أميركا والأخيرة تلبي بسرعة وهي في مأزق. تدافع عن نفسها وتريد تحرير أسراها!! فإلى أين أنتم ذاهبون بعد؟؟ ألا يكفي هذا الدرس؟؟ لن تكون حماية وضمانة لكم من أميركا. هذه فضيحتها من جهة والأهم من الجهة الثانية بالنسبة إليها: الإهانة لكم والضمانة لاسرائيل، الابتزاز لكم وممنوع اهتزاز اسرائيل.
الحديث يطول عن هذا الموضوع ولنا فيه كلام قديم ثابت. لكن أمامكم فرصة استعادة شيئ من الدور بموقف ضاغط على أميركا واسرائيل معاً وهما مأزومتان. لكن موقف الجامعة العربية أمس كان مخيبّاً وفضيحة.
- الهوامش:
في الهوامش حيث يعيش "كبار" في التضليل وسوء التقدير والتدبير ورفض التعلّم من التجارب واستخلاص الدروس والعبر منها، سؤال: أقلقتم الدنيا في الحديث عن الفريق الآخر "المأزوم" و"المهزوم"، إذا كان كذلك وفعل ما فعل فكيف لو كان غير ذلك ماذا ستفعلون؟؟ الحقائق تقاوِم لا تقاوَم قاربوها بوعي وصدق.
أما الهوامش فهي ستضيق أيضاً على هذا النوع من الكبار!!