عام >عام
لغز رحيل إبنة القاع... ساعات ما قبل الفراق
الخميس 12 01 2017 11:51
لا يعلم الناس ماذا تخبّئ لهم الأيام، هذه حكمة الله. ونانسي نصر القاعيّة إبنة الـ20 عاماً، ككلّ بنات جيلها، بَنَت أحلاماً، تخيّلت مستقبلاً، أحبّت، ضحكت، بكت... ولم تترك للموت حساباً، فكيف لفتاة تضجّ بالحياة مثلها أن تفسح للموت مجالاً في عرقلة مشاريعها؟ رصاصة أُطلقت، وشريط حياة مرّ أمام ابنة الـ20، تذكّرت سنوات المدرسة الأولى، أعياد ميلادها، أيام الجامعة، أمها دنيا التي خافت عليها مراراً، ووالدها نصر الذي حماها بدموع العين، وأصدقاءها الذين أحبّوها، ثمّ... ودّعتهم.
لم يكن ليل الثلثاء عادياً لأهالي الدكوانة، فصراخٌ علا قرابة الساعة الحادية عشرة، كان كفيلاً بقطع ليلة جميع السكان الروتينية، صراخ والدة دخلت المنزل لترى جثة ابنتها مضرّجة بالدماء، وهرولة والد حمل جثة ابنته وطار بها نحو المستشفى علّ معجزةً ما تحلّ على العائلة وتزيح عنها هذه الكأس المرّة، فقُدِّمت لها الإنعاشات اللازمة، إلّا أنّ نحو ساعة كانت مرّت على الجريمة، ونانسي كانت قد فارقت الحياة.
فرضيات الجريمة
فرضياتٌ عدّة ظهرت بعد الجريمة الغامضة، خصوصاً أنّ والدَي نانسي كانا في زيارة أثناء وقوعها، فيما أخوها المتزوج كان في منزله، وكذلك الحال بالنسبة الى شقيقتيها المتزوجتَين، ليبقى الأمل معلقاً على أخيها العازب، وهو عنصر في فرع المعلومات، والذي قد يوصل المحقّقين الى الخيط، إذ يُقال إنه إما كان في المنزل أثناء وقوع الجريمة أو إنه كان أوّل الواصلين إليه بعدها، وهو ما استدعى توقيفه على ذمة التحقيق.
الرصاصة التي أُطلقت من مسدس عيار 9 ملم كانت قريبة جداً من جسد نانسي واخترقت صدرها ثمّ خرجت من قفصها الصدري، بحسب قول مقرّبين منها، والطبيب الشرعي وضع فرضيات عدة، منها الإنتحار، أو حصول خطأ ما في السلاح أدّى الى رصاصة طائشة، مستبعداً فرضية القتل التي عمد البعض الى نشرها على أنها جريمة انتقام من أحد أفراد العائلة.
وتفيد مصادر مطّلعة على التحقيقات بأنّ أخاها الموقوف غيّر إفادته مراراً، كما تكشف معلومات التحقيق الأولي لـ«الجمهورية» أنّ بصماته كانت على المسدس لكنه لم يعترف بشيء، علماً أنّ احتمال انطلاق الرصاصة من المسدس أثناء تنظيفه واردة وليس القتل عمداً، لكنّ كلّ المعطيات سيكشفها خبير المتفجرات اليوم بعدما ينتهي من التحليل على الرصاصة.
تواصلت مع شقيقتها
نانسي التي كانت على موعد مع إحدى شقيقتيها، لم تكن تدري أنّ الموت سيقف لها في المرصاد، فقبل الجريمة ببعض الدقائق تواصلت مع شقيقتها وقالت لها إنها ستزورها بعد قليل، بحسب صديقتها التي أضافت: «ظهرت «Last seen» عند الساعة 11:15 تقريباً، أي أنها كانت على تواصل مع أصدقائها وأقربائها قبيل الجريمة».
«قلبها كان دليلها»
إيمان نانسي القوي وحبّها للصلاة هو ما يُجمع عليه كلّ مَن تحدّث عنها، «كان بيّها يقلّا إنت رح تصيري قديسة»، تقول إحدى صديقاتها، وتضيف: «أهلها لم يقصّروا بشيء تجاهها يوماً، كانت غنوجة البيت».
لكن رغم حبّ هذه الفتاة للحياة، إلّا أنها ليلة رأس السنة همست لإحدى قريباتها قائلة: «شكلا سنة الـ2017 مش كتير حلوة»، وبدورها قالت والدتها منذ بضعة أيام «حاسّة حدا رح يموت»، والكلام يعود لأحد المقرّبين من العائلة.
وتؤكد إحدى صديقاتها المقرّبات لـ«الجمهورية» أن «نانسي لا يمكنها أن تنتحر، فهي تعلم أنّ الإنتحار خطيئة، ونظراً لشدة إيمانها الذي يلتمسه كلّ مَن عاشرها يمكنني التأكيد أنها لم تكن لتقْدِم على هكذا خطوة مهما كانت ظروفها، فهي أكثر الفتيات إيماناً في القاع»، مشيرةً الى أنّ «نانسي كانت من المتفوّقات في الجامعة اللبنانية التي كانت تتخصّص فيها بالرياضيات».
إذاً فارقت نانسي، إبنة الـ20 عاماً الحياة، وبرحيلها حرقت قلوبَ والد ووالدة و4 أشقاء، صغيرة العائلة غابت والضحكة التي كانت ترسمها اختفت، حسرة ستعيش فيها عائلة نصر مدى الحياة، فالجمرة لا تحرق إلّا مكانها، ورغم تعاطف الجميع معها، إلّا أنّ الغصّة ستسكن قلوبَ أهلها الذين يأملون أن يفهموا يوماً لِمَ الموت يختار أكثرَ الناس حباً للحياة.