بأقلامهم >بأقلامهم
الإستلاب الفكري
جنوبيات
تولد الفرحة مع ولادة طفل في أسرة صغيرة، حيث الولادة لحياة جديدة، التي تبدأ معها الرحلة الطويلة من الأحداث والمتغيرات الحياتية، فالوالد والوالدة مشدودان لإحاطة مولودهما كل الأسباب والإمكانيات المادية والروحية لنموه نمواً طبيعياً داخل أسرتهم الإجتماعية الشكل المصغّر عن المجتمع الأكبر، بالمقابل يتحضّر الطفل المولود للخروج الى هذا المجتمع من خلال تكوّن الوعي والخبرات الحياتية من البيئة الإجتماعية المحيطة به، هذه المشهدية نراها مكرّرة عند كل فرد إجتماعي يخرج الى المجتمع بالوعي المكوّن وبالخبرات الحياتية المعيوشة في واقعه المقدر له ان يكون، فالفرد لا يختار مكونات المحيط الإجتماعي اي الدائرة الإجتماعية المحيطة به، هنا يأتي السؤال هل يعيش هذا الطفل كل أشكال الإستلاب الإجتماعي والاقتصادي والفكري؟ ام أنه ينهض من كبوته ويسعى الى تشكيل عالمه الخاص المتكون من فكره الحر الغير خاضع لمن حوله من أفراد؟ هل ينسلخ من بيئته ويترك فكره الحرّ يحدد مصيره ومصير من حوله، أم يستكين ونراه يقنع بما لديه من آليات معيشته؟
في الواقع أن المجتمع الإنساني هو شكل من أشكال العلاقات الإجتماعية المحددة ضمن الجماعة، فإما ان يعيش الفرد حريته وحرية معتقداته وفكره ويعتنق المنهج الذي يناسب كينونته، وإما ان يعيش الخضوع وتتم السيطرة على أفكاره وعقله، اي إما الحرية وإما الإستلاب وبالتالي يتحدد مصير كل واحد منّا، ويكون الإختيار حتماً سيد الموقف أي إما الإستسلام وإما التمرد، فهما اللذان يحددان الوجهة الآخذة نحو المستقبل، فلا يمكن سجن الإنسان بالماضي بينما بكل سهولة يمكن للفرد الإجتماعي النهوض ورفض المسلمات وإختيار النهج والوجهة ذلك للوصول الى الهدف المنشود، هذا الطريق هو من يحدد سلامة الفكر والمنهج والمعتقد، وعليه نتساءل، لما الفرد لا يسلك هذا السلوك الإجتماعي، ولما لا ينأى عن كل ما يقلق كدره ويسعى ليحقق ذاته الحرة والقوّية؟
ان الإستلاب هو عبارة عن وقوع الفرد العاقل بالأسر الكلي وشبه المطلق لأفكار غيره من المحيط الإجتماعي، ويصبح بالتالي مفرغا من فكره ذي الخاصية الذاتية اي بما يسمى الهوية الفكرية، فضياع الهوية الفكرية هي حتماً تقود الى ضياع الإنسان نفسه، هذا الإستلاب نفسه إذا لم يدرك الإنسان خطورته على حياته فإنه ينقاد إليه دون وعي وبالتالي تضيع معه كل معالم شخصيته الحرة الأبية، لذلك ان الإستلاب لا يحتاج الى قوة السلاح لفرض الهيمنه إنما تكتيك واستراتيجيات وسلوكيات خفية تصنع منا افراداً مسلوبين الهوية الفكرية التي تحدد نظرتنا واختيارتنا وسلوكياتنا.
أخيرا ان الوعي وتدارك الحقائق وامتلاكها وقدرتنا على المواجهة والتحدي إنما يساعدنا على إصلاح انفسنا، وإصلاح رؤيتنا وبالتالي الإسراع للمعالجة وتحديد وجهتنا ووضعها على السكة الصحيحة، الآخذة بنا نحو الحرية وإزالة القيود والسلاسل الحديدية التي تقيد حركاتنا وطريقنا .