لقد قال لي والدي (طيّب الله ثراه) ذات يوم أنّ التّفاؤل نصف الحياة، والأمل نصفها الآخر.
ومنذ ذلك الحين، شيء دفين في داخلي يحثّني دومًا على النّظر إلى المستقبل بعين "الإيمان بغد أفضل".
وفيما أذكر أنّ جدّي رحمه الله (وكان شاعرًا وأديبًا ومحدّثًا لبقًا) عاش حتّى عامه السّابع والتسعين.
وقبل وفاته بعامين، كان يحدّثني عن المستقبل وأنّه بصدد كتابة قصّة من الأدب الشعبيّ، ويتمنّى أن ينشرها قبل رحيله.
وقد كنت وقتها يافعًا، لكنّني تساءلت في نفسي: "عمر جدّي خمسة وتسعون عامًا وينوي كتابة قصّة من الأدب الشعبي"!
لاحظ جدّي أنّي شردت لبعض الوقت، فقال لي:
"جمال" تذكّر دائمًا هذه المقولة:
"إعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدًا".
ومن يومها أدركت أنّ العمر ليس بالسّنين والأيّام، وإنّما بالعطاء دونما استسلام لليأس وقلّة الحيلة.
وصرتُ في قرارة نفسي أقول:
ستمرّ هذه الأيّام بكلّ ما فيها، وستغدو مجرّد ذِكرى في صفحة الماضي. سنتجاوزها وكأنّها لم تكن، فهذهِ سُنّة الحياة.
إنّ دوام الحال من المحال، فلا شدّة تدوم أبدًا كيفما كانت.
وتذكّر ذلك جيّدًا أنّه كلّما داهمك القلق، وتسلّل إليك الوَجَل، تسلّح بالأمل والرّجاء بربّ السّماء.
فكما مضَت الأوقات الصّعبة من قبل ستمضي هذه الأوقات مثلها.
"فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".
وما دام القادمُ في علم الغيب، تصوّرْه جميلًا، فسيأتيك في يومٍ ما يُفرح قلبك.
وكلّ هذا ليس عِلمًا بالغيب، وإنّما ثقة بربّ رحيم.
فلا يعقب الأحزان إلّا "سعادة".
ولا يعقب الحرمان إلّا "عطاء".
ولن تغرق سفينة الحياة في بحر من اليأس طالما هناك شراع اسمه الأمل.
وسيعود لبنان أجمل ممّا كان، بإذن الرّحيم الرّحمن...