يُحكى أنّ رجل الأعمال المشهور والاقتصاديّ الكبير "طلعت باشا حرب" (وهو مؤسّس بنك مصر) كان يثق ثقة عمياء بشابّ يُدعى أحمد سالم، وقد أسند إليه عدّة مناصب كبيرة في شركات بنك مصر رغم صغر سنّه.
ومع مرور الزّمن أصبح أحمد سالم صاحب أكبر أجر وصل إليه رجل أعمال فى مصر.
وذات يوم كان طلعت حرب مريضًا (ويرقد في منزله) فذهب أحمد سالم للاستفسار عن صحّته، وهناك توجّه طلعت باشا حرب إلى أحمد سالم بالقول: "أرجوك يا أحمد أريدك أن تحضر معك صباح الغد طبق فول مدمّس من محل التّابعي (من أشهر بائعي الفول)".
ذهب أحمد سالم إلى عمله ثمّ سهر مع أصدقائه طوال الليل، وفي صباح اليوم التّالي ذهب إلى طلعت باشا حرب لزيارته ونسي طبق الفول المطلوب، فسأله طلعت حرب:
هل نسيت الفول المدمّس؟
فوجئ أحمد سالم بهذا السّؤال واضطُرّ إلى أن يكذب، وادّعى أنّه ذهب إلى المحلّ فوجده مغلقًا لوفاة شقيق صاحب المحلّ!
وما إن غادر أحمد سالم المنزل، استقلّ طلعت حرب سيّارته وذهب إلى محلّ التّابعي فوجده مفتوحًا، فجلس إلى إحدى الطاولات واستدعى التّابعي صاحب المحلّ وقال له:
"البقيّة في حياتك".
فدُهش الرّجل، وتابع الباشا كلامه متوجّهًا إلى التّابعي: ألم يمت شقيقك؟
فأجاب التّابعي: لا!
ثمّ سأله الباشا: هل تأخّرت في فتح المحلّ؟
فقال التّابعي: فتحت المحلّ الساعة الخامسة صباحًا، كعادتي كلّ يوم".
عندها اتّجه طلعت حرب إلى مكتبه في بنك مصر وأصدر قرارًا بفصل أحمد سالم من جميع مناصبه.
وعند سؤال طلعت حرب:
هل يساوي عندك طبق الفول المدمّس كلّ هذا العقاب الصّارم؟
فأجاب: إنّ الرجل الذي يكذب في الصغيرة يكذب في الكبيرة، وقال كلمته الشهيرة: "من يكذب في طبق فول مدمّس سيكذب في مليون جنيه".
وأضاف قائلًا:
"إنّ هذه الوظائف تعتمد الثّقة وما دامه قد فقد ثقتي فهو لا يصلح للعمل معي".
والسّؤال الذي يُطرح اليوم:
ماذا لو كان طلعت باشا حرب بيننا في هذه الأيّام العجاف، كم عدد الموظّفين الذين كانوا سيُفصلون من مناصبهم نتيجة كذبهم وانعدام الثّقة في تصرّفاتهم؟!
الجواب الحتميّ:
الكثير.. الكثير.. والله وليّ التّدبير...
القاضي م جمال الحلو