امام محله الصغير في سوق البازركان في صيدا القديمة يجلس «السنكري» احمد كيلو الذي تجاوز السادسة والثمانين من عمره امضى ثلثيها وهو يعمل في هذه المهنة، مستعيدا عصرها الذهبي الذي يتآكله اليوم الصدأ، بعدما كان في الماضي لا يلحّق على الزبائن فيصلح «بوابير» الطهي وقناديل الكاز التي كان يطلق عليها «اللوكس»، وغيرها من الأدوات المعدنية التي كانت تعتبر اساسية في المنزل .. وغالبا ما يكون المطلوب اصلاحها بـ«اللحام» باستخدام النار عن طريق تطويع الحديد تحت المطرقة من اجل اعادة تقويمه او «تلحيمه»..
خمدت نار «موقد» كيلو كما هي حال باقي «السنكرية» في غير مكان في لبنان مع افول نجم بوابير الكاز وقناديل الانارة والمرشات الزراعية فتقلص حضور هذه المهنة تحت ضربات مطرقة الحداثة والتطور وأصبحت اليوم حرفة تراثية اكثر منها مهنة، مع تراجع الحاجة اليها.
يعتبر الكثيرون ان محل السنكري كان قديما بمثابة مركز «الصيانة» الدائم للعديد من الأدوات والمقتنيات ذات الاستخدام المنزلي ولإبتكار بعضها.. وادواته مطرقة ومقص معدني وسندان، وكماشة، ورقائق معدنية..لكن الوضع اليوم تبدل كليا، في ظل هذا التطور في الكثير من وجوه الحياة حيث طغت الأدوات التي تعمل على الكهرباء والغاز والبلاستيك على تلك الوسائل، وقلائل من بقوا يستخدمون «بابور» الكاز.
المفارقة الأبرز ان الشيء الوحيد المتبقي الذي لا زال يشغل «السنكرية» هذه الأيام هو النراجيل المنتشرة كثيرا في مجتمعنا حيث يقصد اصحابها السنكري لإصلاحها وصيانة كل مستلزمانتها وما يتعلق بها من ادوات ...
اصبحت هذه المهنة بالنسبة لكيلو وغيره من ابناء «كاره» وسيلة لملء الفراغ ولتمضية ما تبقى من عمره في المكان الأحب الى قلبه والذي امضى فيه اكثر من نصف عمره وفي العمل الأكثر التصاقا به ومع ادوات كادت ان تتماهى ثقلا مع كفيه المرتجفتين بفعل سنوات الكبر، مفتقدة القوة التي كانت تطوع المعدن الى الوجهة التي يريد صاحبها.