الأربعاء 27 كانون الأول 2023 14:48 م

د. صادق النابلسي لـ"جنوبيات": حرب غزة ستكون حدثاً مفصلياً في تاريخ الصراع مع الاحتلال


* جنوبيات

يوم بعد يوم، يُماط اللثام أكثر فأكثر عن الحقد والحماقة التي تعتري عقل نتيناهو وقيادته السياسية في ظل صمود أسطوري للشعب الفلسطيني لعله بات نموذجاً ثورياً تاريخياً، مع استمرار العدوان أيضاً على الجنوب اللبناني والقلق من تدحرج المشهد بعد كوكبة كبيرة من الشهداء والتضحيات التي تبذل أيضاً في هذا السياق.

فكيف سيغدو المشهد؟، وما هي انعكاساته على الداخل اللبناني؟.. يؤكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الشيخ الدكتور صادق النابلسي "لا شك في أنّنا أمام تجربة من أغنى التجارب الثورية والنضالية في هذا العصر. الأعجوبة الماثلة أمامنا هي أعجوبة الصمود، في منطقة جغرافية معزولة عن العالم بحراً وبرّاً وجوّاً، وبلا تضاريس طبيعية تساعد على مواجهة الحوادث، وآلة صهيونية تدميرية هائلة مجنونة، وأمام الغش العلني في القيم والمعايير والأخلاقيات المرتبطة بحقوق الإنسان وقواعد الحروب، وفي ظل دعم غربي واضح ومكشوف لإسرائيل لتمارس جرائمها، وتقبل غزّة بكل مقتضيات هذه المواجهة القاسية، فالفلسطينيون يواصلون مواجهة واحدة من أعتى قوى الاحتلال والإبادة الجماعية بمعنويات عالية وإيمان لا مثيل له، وهو يثبت جدارته وأهليته بالوجود مثله مثل كل شعوب العالم التي تسعى إلى الحرية والعيش الكريم".

وشدّد د. النابلسي في حديث خاص بموقع "جنوبيات"، على أنّ "حرب غزة ستكون حدثاً مفصلياً في تاريخ الصراع مع الاحتلال.

أولاً، هذه الحرب ستطيح باتفاقات أوسلو (1993) ومشروع "صفقة القرن" 2019، وما يُعرف بـ"الاتفاقات الإبراهيمية" بين كيان العدو وعدد من الدول العربية. فأحداث غزّة أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الحدث الإقليمي والعالمي اليوم.

وكان التقدير أنّ القضية على مشارف الانتهاء، وأنّ المقاومة لا أفق لها ونتائجها مستحيلة، وبالتالي لا بد من التوجّه نحو التسوية، ولو كان العائد ليس فورياً، كون السابع من تشرين الأول صدم أصحاب التوجّهات الاستسلامية، وأظهر أنّ المقاومة قادرة على الفعل والإبداع وعلى قلب الطاولة على رؤوس المعتدين، فالتسوية تعني تفكيك للقضية، والمطلوب المضي في خيارات معاكسة تتخلّص من أثقال العبودية للغرب وتعبّر عبر الكدح والنضال إلى عرش الكرامة، ففي السابع من تشرين الأول، ورغم الفارق الكبير بين قدرات الفلسطينيين وكيان العدو المدعوم أمريكياً وغربياً، إلا أن مجريات الاحداث الميدانية كشفت عن دينامية مذهلة للمقاومة خالفت تقديرات مؤسسة التفكير والأبحاث الإسرائيلية".

 واعتبر أن "المهم أيضاً هو بدء الشعوب العربية بالضغط بنحوٍ تدريجي على الأنظمة العربية المُطبِّعة لتُعيد النظر بأسس العلاقة مع كيان العدو بعدما انكشف بوضوح أن التسوية غير ممكنة في ظل التغير الهائل في المدارك والقيم والاتجاهات الغربية التي كانت ترعى عملية التسوية وتحدد أطرا للسلام، كما بعدما تبيّن أن الغرب لم يأخذ موقفاً محايداً، ولم يلتزم بالمعايير الحقوقية المعمولة عنده بل اتجهت مواقفه لتتخذ طابعا أكثر راديكالية إلى جانب "اسرائيل".

"التحول الآخر" وفق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية يتجلّى بأنّ "الرأي العام العالمي بدأ يكتشف أنّ ادّعاءات اليهود حول المظلومية كذب بكذب، وأن المحرقة الفعلية هي في غزّة التي يُباد فيها الحجر والبشر حتى تصير مكانا لا يمكن العيش فيه، فهناك نازية صهيونية تنتقل من احتلال الأرض، إلى إبادة شعب وجعل أرضه غير قابلة للحياة البشرية، ورغم سياسات التعتيم الإعلامي تبدو وظيفة إخفاء الحقائق صعبة للغاية، فهذا الصمود الغزاوي هو بداية لتحول كبير على المستوى السياسي والجيوسياسي والثقافي في المنطقة، من هنا فإن هذا الامتحان الصعب والشاق الذي يمر به الفلسطينيون يجعل النتائج النهائية تقترب بتحرير شامل، إذ منذ الثامن من تشرين الأول وحزب الله في مجرى التضامن الفعلي والمؤثّر مع غزّة، إلى جانب قوى المقاومة الأخرى في المنطقة مساندة للشعب الفلسطيني ويعمل لتوفير الظروف الملائمة لإنهاء الحرب على غزّة.

وأشار إلى أنّ"حزب الله" نفّذ حوالى 530 عملية ضد مواقع العدو، وفرض نوعاً من الشلل على قوّات العدو البرية يتجسّد في عجزها عن إعادة بناء تحصينات استخبارية أو لوجستية أو القيام بأي حركة عسكرية خارج هذه المواقع، وأخرج الحزب من جعبته وسائل قتالية منها الطائرات المسيّرة الانقضاضية التي تستهدف بدقة مواقع العدو المنتشرة على طول الحدود، وفي الحصيلة، قدّمت المقاومة ما يقارب من 120 شهيداً، حتى لا تتجرّأ إسرائيل بأنْ تدفع بدبابة واحدة، وبجندي واحد الى الأراضي اللبنانية. وهذا مهم للغاية".

واستدرك: "لمَنْ يسأل فحرب حزب الله هي حرب دفاعية بامتياز تتوخّى توفير مساحة آمنة للشعب اللبناني، لكن لا يمكن لنا كلبنانيين أنْ نتفرّج على المذبحة التي قد تتّجه نحونا فيما لو بقينا على الحياد، إذ ألم يهدّد الحاخام الاسرائيلي عميحاي فريدمان بأنّ "فلسطين كلّها لنا... بما في ذلك غزة ولبنان"، ووزير التراث في كيان العدو دعا إلى إلقاء قنبلة نووية على غزّة، وعلى لبنان... فهل تنفع هنا سياسة الحياد أو سياسة اللامبالاة؟، فماذا يتبقّى من وجودنا والصهاينة يريدون حفر الزمن بقنابلهم وكراهيتهم وحقدهم وهيمنتهم على البلاد؟".

  واعتبر أنّ "الوضع الإقليمي والدولي لا يعطي فرصة لأي وهم، ومتى تنشأ الأوهام؟، تنشأ عندما يتصوّر أي لبناني أنه يستطيع أن يفلت من ضرورات الموقع ويخرج من الجغرافيا. موقعنا الجغرافي يحتّم علينا المقاومة، وإلا لن يكون مصيرنا إلا الإبادة أو الرحيل، فوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قال: "معارك اليوم ستحدد الأمن العالمي لسنوات مقبلة"، فهل نكون بعيدين عن صياغة مصيرنا ونحن في خضم الأحداث وعلى تخوم النيران. كيف لأمريكا أن تعتبر أن ما يحصل يهمها ويرتبط بأمنها فيما بعض اللبنانيين لا يأبه ويدعو إلى الحياد؟".

ويؤكد النابلسي أن "حزب الله تمكّن من إرساء معادلة توازن الرعب مع العدو الاسرائيلي، وهذه المعادلة ضرورية لبقاء لبنان، لمَنْ يدرك ما هي النظرة الأيديولوجية والنظرة الاستراتيجية الاسرائيلية لبلدنا، فذئاب "اليمين المتطرّف" لا تريد لبنان موجوداً، فكيف يمكن التعامل مع الوضع بسياسة الحمل الوديع؟. المقاومة مع الصبر ستنتج تغييرات محورية في الاتجاهات السياسية، وحتى الاستراتيجية، لصالح بلدان المنطقة، ومجددا يجب القول بأنّه لا مجال للرهان على المجتمع الدولي، ولا على الضمير الغربي، لا جفن يرف أمام تلك البربرية التي لا نظير لها في غزة ولن يرف جفن لهم عندما تتحول الآلة التدميرية باتجاه لبنان، لذلك نحن بحاجة الى ترسانة حزب الله من أجل حماية لبنان وثرواته كأولوية وطنية عليا لا تقبل الجدل، ونحن حينما نسمع السيد نصرالله الذي نعتبره الناطق باسم كل الإيمان والثورة والغضب والنيران التي تتأجج في صدور العرب والمسلمين والأحرار، نعلم أن مصير لبنان والمنطقة سيكون أفضل وأن مَنْ سيغيّر الشرق الأوسط ليس بنيامين نتنياهو، وإنما سيد العرب سماحة السيد حسن نصر الله، أما في ما يتعلق بالقرار الدولي 1701 الذي وُضِعَ لحماية إسرائيل، والذي يهدف إلى منع المقاومة من إعادة العمل في نقاط انتشارها وإعطاء دور أكبر لقوات الطوارئ الدولية وتوسيع دائرة انتشارها الميداني، فهذا لن يكون، لأنه ضد مصلحة البلد وأمنه".

وخلص إلى قول: "لن تستطيع الحملات السياسية الداخلية التي يقودها حلفاء أميركا، أن تغير إلا في معادلة اللوحات الإعلانية، أما الوقائع الميدانية فلا، وإذا كان الأمريكيون يرون أن "الضرورة الوجودية" تقتضي إقفال الجبهة اللبنانية فعليهم قبل ذلك إقفال باب العدوان على غزّة. هذا أوّل الكلام. وبعدها، لا مخرج للإسرائيلي إلا الخضوع والهزيمة، هذه هي الطريق لوقف تمدّد الحرب. أما الكلام وقبل توقّف العدوان على غزّة عن إبعاد حزب الله شمال الليطاني فهذا كلام أقل ما يُقال عنه إنّه هُراء وأوهام، فلا فصل بين جنوب الليطاني وشماله. الأرض اللبنانية واحدة وحق المقاومة أن تكون في كل أرض لحماية لبنان، فإسرائيل التي اعتادت أن تُلقي بكل قرارات مجلس الأمن في سلة المهملات، لا يحق لها الحديث اليوم عن تطبيق القرار 1701، وهي التي خرقته آلاف المرّات منذ العام 2006،

من هنا كان على "حزب الله" أن يبني جدار النار، أمام البرابرة الدوليين والوحوش الإسرائيليين وبمواجهة الخيارات الغربية التي تصبح أكثر جذرية يوماً بعد يوم، وأمام احتباس القوانين الدولية ليس من عمل أفضل وأشرف وأكثر وطنية من المقاومة لديمومة الوجود والكرامة" .

المصدر :جنوبيات