هذا الكلام الطيّب سمعته من رجل مسنّ (بذاكرة وقّادة)من آل ديّة الكرام. وسأنقله إليكم (كما سمعته) باللهجة واللكنة البيروتيّة المحبّبة جدًّا إلى قلبي.
"تلّة الخيّاط" من أحلى المناطق ببيروت، بسّ تغيّرت كلّ معالمها وانمحت معها أيّام جميلة من الذّاكرة القديمة.
شو بدّي إتذكّر تإتذكّر، أحلى إيّام برمضان وقت العصرونيّة، لمّا يبورد الطقس، كنّا نطلع ع التلال لنلعب على الرّمل بين الورد والحمّيضة، والهندبة والكربوزة، والبابونج والورد، والشقشقين والبقلة.
بسّ كنّا نخاف من القرّيص. ولاد لابسين شورطات، ويا دلّي اللي بتضرب بإجرو نبتة القرّيص.
كنّا نتزحلط على الرّمل من أعلى التلّة، ونلعب التخباية (الغمّيضة) بين الحشايش والخضرة.
وكنّا نلعب بالفطبول، والإكس، وطاق طاق طاقيّة رنّ رنّ يا جرس.
ونلعب سباق الركض، ونطيّر طيّارة الورق اللي نساويها بإيدينا.
بتذكّر كان في بيت براس التلّة لستّ اسمها نبيهة خيّاط.
أحلى أوقات قضيناها ع التلّة كانت برمضان. وع كترة الركض واللّعب يطقطق ريقنا من العطش، وما نفطر، وما نرجع ع البيت إلّا ما نتفرّج ع المدفع.
مدفع الإفطار كان مثبّت على أعلى نقطة بتلّة الخيّاط.
والمغربيّات لمّا تبلّش الشّمس تغرب يجي مندوب من دار الفتوى يوقف ع التّلّة ويراقب مأذنة "مسجد الإمام الأوزاعي"، ولمّا يشوفها ضوّت يقلّو للعسكري (تبع الجيش) ضروب المدفع.
كانت هيدي الإشارة يعطو ياها من مقام (سيدي الأوزاعي).
لأنّو لمّا تضوّي الميدنة يعني خُلِص الصّيام وصار فينا نفطر.
كان صوت المدفع كتير قوي وبيوصل لكلّ بيت ببيروت.
ساعتها نرجع ع البيت ركض، تنكروع العصير ونشرب شوربة العدس، وناكل الفتّوش، وكلّ شي طيّب من إيدان الحجّة "ونحمد الله على نعمته".
بتذكّر ابن تلّة الخيّاط من بيت البيلاني كان طبّال المنطقة وكان بيتو مكان خزّانات الميّ هلّق.
كان يحمل هالطبل بالليل ويبرم يدقدق عل الشّبابيك ويفيّقهم ع السحور.
كان بيعرف السّاكنين واحد واحد.
ويعيّط بصوتو الحنون يا نايم وحّد الدّايم، يا نايم وحّد الله.
قوم يا "أبو قدّور العيتاني" وحّد الله.
قوم يا "أبو أمين الحصري" ع سحورك.
قوم يا "إبن سنّو" ع سحورك، رمضان عم بزورك.
قوم يا "أبو زهير المدوّر".
وما يوقف عييط إلّا ما يجاوبوه فقنا، وما كان يبعد عن شبابيكهن إلّا ما يضوّوا الضوّ ليتأكّد إنّهم فاقوا. وإلّا بعاتبوه تاني يوم ليش ما فيّقتنا عالسّحور.
يا الله ما أجملك يا "بيروت المحروسة، يا سيّدة العواصم".
شو بدّي تإتذكّر أبو زهير لمّا يكون نايم بعد الضهر بعد ما يكون راجع من قهوتو اللي كان يديرها ع البسطة الفوقا. كنّا ولاد ونلعب ونفيّقوا ع لعبة الغمّيضة. ولمّا كان يخسر واحد منّا نصرخ كلّنا ونقول حريقة حريقة. ساعتها يقوم لابس الشنتان ويركض ورانا بالخيزرانة. ويعيّط يا ولاد الستّين كلب لربّيكن واحد واحد.
شو بدي إتذكّر، لمّا كان أهل الحيّ يسهروا كلّ خميس عشيّة عند "أبو محمّد" بالجنينة تحت شجرة "أبو صفير" وكان "أبو محمّد" يحطّ الرّاديو ع أعلى صوت تيصدح بصوت "أمّ كلثوم"، وكانوا الستّات يسمعوا ستّ الكلّ وهنّي عم يفقّوا اللوبيا والبازيلّا. ويا ويلنا إذا عملنا ضجّة عليهم!
شو بدّي إتذكّر هالأنتال العالي تبع تلفزيون لبنان القنال ٧ "بين هالرّمول حواليه". وكانت الطّريق كلّها قادوميّة رمليّة بعد ما تزفّتت.
شو بدّي إتذكّر تإتذكّر، كنّا نشوف نجيب حنكش، وصونيا بيروتي، وإيلي صنيفر، وأبو سليم الطّبل، عم يمشوا بتلّة الخيّاط فايتين ع التّلفزيون ليعرضوا مسلسلاتهن.
كانت كلّها مباشر ع الهوا ما في تسجيل ومونتاج.
كانوا فنّانين عندهن خبرة كتير كبيرة.
شو بدّي إحرق قلبي وإتذكّر قهوة "أبو النّور الكوسا" اللي فاتحها (بالهواء الطلق) بيتجمّعوا فيها كلّ البيارتة بالليل. وعلى لعب داما، وورق شدّة وطاولة زهر، وشرب أراغيل وشاي وقهوة وزهورات ويانسون.
وما بتحلى القعدة إلّا لمّا يتفرّجوا "على الطيّارات" لمّا تطلع وتنزل ع الرّمول "بالمطار القديم" اللي كان مقابيل المدينة الرّياضيّة.
وإذا شي واحد منهم غاب وما إجا، ما يبلّشوا السّهرة قبل ما يروحوا "يدقّوا بابه ويتطمّنوا عليه".
هيك كانت تلّة الخيّاط، وهيك كانت بيروت المحروسة (مدينة الفرح الدائم).
بالله عليكم قولوا لي وخبّروني حرزاني نضحّي منشانها أو ما حرزانة نضحّي؟!
الجواب: قطعًا، حرزانة.
منشان هيك:
"أحسنوا انتخاب نوّاب بيروت".