ليست المرة الأولى التي يعلو فيها صوت السائقين العموميين، إذ تمتد رحلة هؤلاء مع الأزمات إلى سنوات وسنوات مضت، خاصةً في الشمال، حيث بات السائقون يواجهون معضلةً تتمثل بـ"احتلالٍ سوري" يتجلى بالسيطرة على خطوط النقل، تحت غطاءٍ لبنانيّ.. فماذا يحصل في الشمال؟
بجولة سريعة على خطوط النقل التي تصل طرابلس ببيروت، لا يخفي المواطنون اللبنانيون امتعاضهم من عدد السوريين الهائل الذين استلموا هذه الخطوط، والذي يتزايد توازيًا الشهر تلو الآخر، ليؤسسوا لـ"بزنس" مربحٍ، طالما أنّهم يعملون تحت غطاءٍ، يستندون من خلاله على لبنانيين، يؤمّنون لهم "الفانات".. لتبدأ عملية توزيع الأدوار بين الأب، والأخ، والإبن، وصولاً إلى أفراد العائلة والأقارب، الذين كلما استطاعوا تشغيل الخطوط بشكلٍ مستمر، كلما حصلوا على إكراميتهم من قبل المشغلين..
عملية التشغيل هذه جعلت السّائق اللّبنانيّ الشّرعي يواجهُ مصيرَهُ، والذي توازيًا، وجدَ نفسه مضطرًا إلى أن يكافحَ العمالة غير الشّرعية، والسّيارات ذات النُمر المزوّرة، أو السّيارات الخصوصيّة، التي تَسرق رزقهُ على طرقات الشّمال.
فوضى عارمة
وبحديث مع رئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين وعمال النقل في لبنان مروان فياض، أكّد لـ"لبنان 24" أنّ القطاع يشهد أعتى فوضى مرّت عليه، لم نرَ مثيلا لها منذ عشرات وعشرات السّنوات، حيث اجتاح العنصر السّوري القطاع، متخطيًا القانون بشكل فاضحٍ وواضح.
وبالأرقام"، فإن محافظة الشّمال لوحدها يعمل فيها في قطاع النّقل 20 ألف سوري(بشكل غير شرعي)، يرتبطون بلبنانيّ، يؤمّن لهم الفانات اللازمة، لينطلقوا إلى السّوق، ضاربين عرض الحائط الشّروط اللازمة للسماح بالعمل ضمن هذا القطاع.
وما يزيد الطّين بلةً، يتلخّصُ بأنَّ من بين الـ 20 ألف سوري، أكثر من 80% منهم دخلوا الأراضي اللّبنانية بطريقة غير شرعيّة، وهذا ما يُضاعفُ حجم التّخطي للقوانين، إذ يعملون على الأوتوسترادات الدوليّة من دون أي حسيب أو رقيب.
ويؤكّد فياض أنّه من المستغرب أن يتم تطبيق القانون من منطقة الدورة إلى البربير فقط، بمعزل عن بقية المناطق، إذ إنّ الضّمان يجبر من يستفيد منه أن يعمل هو شخصيًا على الآلية المضمون عليها، وليس أن يشغّل أي شخص آخر على اسمه.
من هنا، يحاول السّائق اللّبناني الشّرعي، الصّمود وسط هذه الأزمة، التي تفاقمت في الأشهر الماضية، إذ أنه في مقابل الـ 20 ألف سوري، يوجد 33 ألف لبناني يعملون على سيارات الأجرة، و2800 شخص يعمل على الباصات، و4 آلاف لبناني يعمل على " الميني باص". علمًا أن هؤلاء مرتبطون بشكل مباشر بالنقابة والضمان، إذ إنّهم ملزمون بدفع بدل اشتراك، تقريبًا كلّ 3 أشهر، وهذا ما لا يدفعه السوري، هذا عدا عن عمليات الصيانة، وغيرها من الضرائب والإشتراكات التي يلزمون بدفعها بشكلٍ دوريّ.
تشليحٌ وتشبيح
على مقلبٍ آخر، استباح النزوح السّوري بعضا من المناطق اللبنانية، التي يَعتبرُ سائقون عموميون لبنانيون أنّها أضحت بمثابة أرض لهم، يقرّرون فيها الاسعار، ويفاوضون بين بعضهم البعض. بهذا السياق يؤكّد أحد السائقين خلال حديث مع "لبنان 24" أنّ السوري، بات يستفز السائق اللبناني بعملية التشبيح، إذ إنّ تواجده على نقاط تجمع الفانات بات يشكّل عاملَ قلقٍ، خاصةً على صعيد تأمين الركاب، حيث يعمد السّوريون الذين يعملون على "فان واحد" إلى تقسيم المهام لناحية استقطاب الركاب، لا وبل يعرضون خدماتهم على اللبنانيين، إذ يطالبون بحصة مقابل كل راكب يأتون به إلى اللبناني..
فالأمر بات على شاكلة "العصابات المنظمة" حسب تعبير أحد السائقين، الذي يؤكّد على أن أحداثًا أمنية خطيرة شهدتها مختلف المناطق اللبنانية، خاصة لناحية عمليات التشليح التي تتم خلال فترات الليل بمناطق مختلفة على الأراضي اللبنانية، وهذا ما حذّر منه رئيس الإتحاد مروان فياض، الذي وصّف الوضع بالخطير جدًا.
التوك توك نحر القطاع
وبمشهدية جديدة على الأراضي اللبنانية، ارتقى النزوح السوري بعمله، ليبدأ بالعمل على "التوك توك" أو الدراجات النارية، التي قرّر أن يُدخلها على خط النقل العام.
من هنا يؤكّد رئيس الإتحاد العام لنقابات السائقين لـ"لبنان 24" أنّ هذه الأزمة كانت كفيلة بأنّ تحرمَ السّائق العموميّ اللّبناني ما يقارب 80 بالمئة من الأرباح، حيث استولى السوريون على شريحة معينة من الركاب رأت بالـ"توك توك" فرصة جيدة، بعدما غزا مناطق عدّة في لبنان، بدءًا من الشمال، وصولاً إلى بيروت، فالبقاع، وغيرها من المناطق اللّبنانية، حيث يتم نقل الركاب بنصف الكلفة. إلا أن هذا الأمر من شأنه أن يعرّض حياتهم للخطر، خاصةً وأن شهود عيان أكّدوا لـ"لبنان 24" على أن العديد من الحوادث وقعت جرّاء رعونة السائقين، عدا عن قيام قسمٍ كبير منهم باستخدام التوك توك كوسيلة لنقل طلاب المدارس، خاصةً خلال فترة بعد الظهر، وهذا ما يسلّط الضوء على خطرٍ داهمٍ وكبير.
وعليه، يختم رئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين وعمال النقل في لبنان مروان فياض حديثه مشيرًا إلى أنّه "ما بين العمل غير الشرعي، وعمليات التشليح، وصولاً إلى الاستثمار بالتوك توك والدراجات النارية، تُرك السائق اللبناني لمصيره، ليواجه موجة نزوح اقتصادية نحرَته ونحرَت قطاعه".