بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي فتح إلغاؤه "الملتبس" قبل أسبوع المجال واسعًا أمام التسريبات عن "تباينات" تعصف بأعضائها، أعادت اللجنة "الخماسية" بنسختها الداخلية، التي تضمّ سفراء كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ودولة قطر، إضافة إلى فرنسا ومصر، تحريك الملفّ الرئاسي، وسط رهانات متصاعدة على دور "متجدّد" قد تلعبه على هذا الصعيد في الأيام القليلة المقبلة.
وإذا كانت اللجنة "الخماسية" سعت من خلال اللقاء مع بري التأكيد على رؤيتها "الموحّدة" للاستحقاق الرئاسي، والردّ بالتالي ولو بصورة غير مباشر على كلّ ما أثير عن اختلاف وجهات النظر، و"تمايز" بعض أعضائها، فإنّ الاجتماع انتهى على "تناغم لافت" بين مختلف أطرافها، مثّله التقاطع على الحديث عن أجواء "ودّية وإيجابية"، وعن "تفاؤل" بإمكانية تحقيق "خرق" على مستوى الملف الرئاسي في المرحلة الحاليّة.
لكنّ هذا التفاؤل، المستند إلى "إيجابية" غير واضحة، جاء مقترنًا بتسريبات صحفية أكّدت أن الاجتماع مع بري لم يخرج عن "العموميّات"، ولم يدخل أصلاً في "لعبة الأسماء"، ما يدفع إلى طرح سلسلة من علامات الاستفهام، فما الذي يحضَّر خلف الغرف المغلقة؟ هل تبدو الإيجابية جدّية وحقيقية هذه المرّة، أم أنّها لملء "الوقت الضائع" ليس إلا؟ وقبل هذا وذاك، ما الذي تغيّر في حراك "الخماسية" أصلاً عن السابق، ليُبنى عليه؟
رسائل "الخماسية"
في المبدأ، يقول العارفون إنّه، وبغضّ النظر عن النتائج، فإنّ حراك "الخماسية" المتجدّد يتوخّى تحقيق جملة من الأهداف، وتوجيه مجموعة من الرسائل على أكثر من خطّ، على رأسها أنّ الاهتمام الدوليّ بلبنان لم يتراجع، رغم أنّ الوضع في المنطقة فرض "تغييرًا للأولويات" في الأشهر القليلة الماضية، علمًا أنّ مدلولات هذه الرسالة قد تكون موجّهة للجانب الإسرائيلي الذي يهدّد بتوسيع الحرب التي يشنّها على غزة، لتشمل لبنان بكامله.
ضمن الأهداف التي توخّاها حراك "الخماسية" المتجدّد أيضًا، بحسب ما يقول العارفون، هو التأكيد على "وحدة الموقف"، ردًا على الأقاويل التي تحدّثت عن "خلافات كبرى" بين أعضائها، خصوصًا بعد "الارتباك" الذي ظهر على الملأ الأسبوع الماضي، ولا سيما الحديث عن اختلاف على "القيادة"، خصوصًا بين الجانبين السعودي والأميركي، وبالتالي التأكيد على "الخطوط العريضة" التي لطالما جمعت هذه الدول المهتمّة بالشأن اللبناني.
وإذا كان من الأهداف التي يشير إليها العارفون أيضًا التمهيد لتفعيل المبادرة الرئاسية، خلال الاجتماع المرتقب لممثلي "الخماسية"، والذي قد يفوّض الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بالعودة إلى بيروت في أعقابه، فإن أحد الأهداف الأساسية التي قد ينطوي عليها الحراك، تؤكد "الفصل" بين الرئاسة اللبنانية والحرب على غزة، وحتى بين الرئاسة والوضع في الجنوب، ولو أنّ هناك من لا يزال يتحدّث عن "مقايضة" في هذا السياق.
"الخرق المؤجّل"
استنادًا إلى ما تقدّم، يبدو واضحًا أنّ الأهداف الكامنة خلف حراك "الخماسية" المتجدّد لا ترقى، أقلّه حتى الآن، إلى إحداث "خرق ملموس" على مستوى الاستحقاق الرئاسي، فمثل هذا الخرق كما يقول العارفون يبقى "مؤجَّلاً"، للكثير من الأسباب والاعتبارات، من بينها أنّ الاجتماع مع بري يمكن وضعه في خانة "جسّ النبض" ليس إلا، كما الاتصالات المستمرّة خلف الكواليس مع مختلف الأفرقاء، بانتظار "صافرة الانطلاق" في الاجتماع المرتقب.
لكن قبل ذلك، ثمّة من يقول إنّ الرهان على مثل هذا "الخرق" من حراك "الخماسية" المتجدّد قد لا يكون في مكانه، طالما أنّ "لا جديد" حصل فعليًا يمكن أن يمهّد لأيّ "تغيير"، ولا سيما أنّ "الثوابت" التي تحرّك "الخماسية" لا تزال تراوح مكانها، من ناحية تمسّك اللجنة بـ"العموميّات"، والحديث عن "مواصفات" لم تعد برأي كثيرين تقدّم أو تؤخّر شيئًا، أو حتى تجدي نفعًا، طالما أنّ من السهل جدًا "إسقاط" الكثير من الأسماء عليها، وهنا يكمن الخلاف الفعليّ.
يبقى الأهمّ من كلّ ما سبق أنّ الرهان على "الخماسية" لإحداث "الخرق" لا يكفي، لأنّ مثل هذا "الخرق" يتطلب إرادة لبنانية حقيقية بالتفاهم على انتخاب رئيس، وهو ما لا يبدو متوافرًا لغاية تاريخه، بل يبدو متعذّرًا بالفعل، طالما أنّ كلّ فريق لا يزال متمسّكًا بشروطه ومواقفه، فـ"حزب الله" وحلفاؤه متمسّكون بـ"ورقة" رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، ويعتقدون أنّ "أسهم" الأخير ترتفع، في حين أنّ خصومه يشترطون التخلّي عنه قبل أيّ نقاش آخر.
صحيح أن مجرّد حصول حركة على خطّ "الخماسية" هو أمر إيجابيّ، ولا سيما أنّه يحيي الاستحقاق الرئاسي بعد فترة من الجمود، وصحيح أنّ مجرد تأكيد "الفصل" بين هذا الاستحقاق والحرب المستمرّة على غزة قد يكون مؤشّرًا جيّدًا. لكنّ الأصح من كل ذلك أنّ "تحرير" الرئاسة في لبنان يحتاج إلى إرادة داخليّة بالدرجة الأولى، تلاقي الجهود الخارجية، حتى لا تذهب سدىً، ويستمرّ الفراغ الرئاسي إلى ما شاء الله!