الأربعاء 14 شباط 2024 15:00 م

"عبور الأزمان وبداية": كتاب طيات الزمن: سيرة حياة د. عبد الرحمن حجازي


* جنوبيات

البداية:

في أحضان الغربة، تترنم لحن الموت كمقدمةٍ لمسرح الفراق الذي ينتظرنا. تحملني هذه المقدمة معها خلال أيام حياتي، وكلما اشتاق قلبي لأحبائي وعائلتي، يتزايد شوقي للعودة إلى وطني، حيث تتجلى ألحان الوحدة في أعماق الغربة، تتسلق جدران قلبي محملة بوزن الألم الذي لا يفهمه إلا من خاض تلك التجربة.
في أرجاء هذا الوطن البعيد، تمتد أيدي الحنين بحثًا عن أذرع دافئة وأرواح تعيد الانتماء. أجد نفسي عائشًا في أراضي البعد، حيث ينقصني الحنان والروحانية التي تلهم الانتماء. يبقى الصمود في لحظة وينهار في لحظة أخرى، يبتسم في بعض الأحيان ويبكي في أيام أخرى. يقال إن لكل شيء أسبابه، ولكن فقدان الأحباء والأصدقاء يسير معك كالسحاب، يمضي عمرك بهدوء كأغنية مكسورة.
الغربة هي فقدان الكلام مع من تحب، حيث تحمل في كل حرف من دفتر البعد مشاعر حارقة وحنين وألم. في أرض الغربة، لا تطالب بامتلاك أي شيء، بل تظل تحمل حلمك فقط. تعيش في عالم الصمت والأشياء المُفَصَّلَةِ، حيث يكون الحديث بينك وبين الحياة كلمات مرتبكة.
ومع ذلك، كانت الغربة دافعًا لزيادة التواصل مع والدي، الدكتور عبد الرحمن حجازي، الذي كان يشكل ركيزة لي. إنه إنسان كان مصدر إلهام وثقة، وقصة حية تحكي ألوانًا مختلفة من الثقافات والاكتشاف. حين انطلقت إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، لم أتوقع أن تحمل تلك الرحلة تأثيرًا عميقًا على حياتي وعلاقتي مع والدي. كانت كل خطوة في شوارع ألمانيا كما لو كان والدي يسير بجانبي. كانت المحادثات تحمل ليس فقط حوارات، بل لحظات توجيهية ونصائح مليئة بالحكمة والخبرة.
كل يوم كان فصلاً جديدًا في كتاب الحياة، يحمل درسًا ينمو به الإنسان ويستفيد منه. تلك التجربة لم تكن رحلة بسيطة، بل كانت رحلة روحية عميقة، حيث كنت أعتمد بشكل كبير على والدي الحكيم. لقد بقي وسيظل مصدرًا دائمًا للإلهام والتوجيه حتى على بُعد آلاف الأميال.
هذا الكتاب ليس مجرد سرد لأحداث الحياة، بل هو رحلة استكشاف للذات والروح، حيث يتجلى والدي الحكيم ومرافقه في كل كلمة ونقطة. وعلى الرغم من رغبتي الدائمة في أن يبدأ والدي في كتابة سيرته الذاتية بيديه، إلا أن المرض وقف أمام ذلك.
هذا الكتاب يفتح أمام شخص معين أفقًا ليكون محققًا ومعلقًا على صفحاته، ويمثل بداية لفك الغموض عن أحداث الزمن. يبرز فيه صدقه وحبه الصادق للوالد، اللذين شكلا أساس هذا العمل الفريد. الاغتراب وحب الوطن يكوّنان الروابط التي جمعتنا، حيث كان هذا الشخص الوحيد الذي كان حافزًا لتشجيعي ودعمي في كتابة سيرة حياة والدي. إنه الكاتب المبدع، الدكتور صلاح الدين سليم أرقه دان.. كان تواصلي معه هدفًا للشكر على مقال الرثاء الذي كتبه لوالدي. صرح لي بشكل مباشر أنه يتطلع ويسعد برؤية كتاب يستعرض مسيرة حياة والدي.
هكذا كانت البداية ...
سيرة مختصرة عن صديق والدي الكاتب المؤلف، الدكتور صلاح الدين سليم أرقه دان:
د. صلاح الدين أرقه دان، روائي الفكر الإسلامي وأديب لبناني، ينبع إبداعه وعطاؤه من صدر مدينة صيدا في عام 1952. هذا الفيلسوف الذي حاز على جناحين أكاديميين في فن الكتابة، قادر على ترك بصمة عميقة في أروقة العلم والأدب.
تنقلت قدماه بين مقاعد المدارس، حيث تلقى التعليم في مدرسة المقاصد، وأكمل رحلته العلمية في ثانوية صيدا الرسمية للبنين. بعد رحيله عن حجرة الثانوية، استقر في جوانب العلم والمعرفة بتخصصين هامين: التربية في اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية، وكذلك دراسة الشريعة في أروقة جامعة دمشق.
كتب عدة مؤلفات تتنوع بين الأدب والفكر الإسلامي، حيث قدم تحليلاً عميقاً للتخلف السياسي في الفكر الإسلامي المعاصر، وألف كتابًا في التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية. وعبر رصيده المتميز في الأدب والبحث العلمي، أثبت أنه ليس فقط أستاذاً وكاتباً ودكتورا، بل إنساناً ملهماً ومثقفاً.

المصدر :جنوبيات