يختلف الأشخاص فيما بينهم، فمنهم من يهتم بالتفاصيل الدقيقة ومنهم من لا يقيم لهذه التفاصيل اي اعتبار، هذا الإختلاف هو ما يجعل الحياة أكثر تطورا وتغييرا، فالحياة لا تعطي الإنسان كل ما يرغب فيه بل تحجب عنه ما يريد تحقيقه او ما يحلم به، لذا يعيش عذاب الفراق والتخلي عنها بمحض إرادته، ويمضي في حياته قانعاً ما صنع له القدر من واقع معيوش بكل آلامه وأوجاعه، لكن متى لا يستسلم الإنسان للقدر الحتمي ويسعى بكل ما اوتي من قوة وعزيمة وإرادة؟ هل يصنع الإنسان قدره بيده؟ من هم الأشخاص القدريين؟ اسئلة نطرحها للدخول الى التفسير الصحيح ولمعرفة ماهية الأشياء التي نعيش تفاصيلها المهمة والغير مهمة، فهذه الأسئلة تضعنا امام اسئلة مستجدة تفتح آفاق الفكر وتبحرّه في حقيقة الحياة التي نعيشها.
يولد الطفل ويترعرع في كنف أسرة، ويبقى ذلك الطفل بداخله لكنه انسان بتجارب حياتية، اي يبقى بعقل وقلب طفل، فكل منّا هو طفل بتجارب لا يتم حصد الثمار إلا عند بلوغه سنّ الرشد، فهذه المرحلة مرحلة النضوج يدرك من خلالها ويعي ويفكر بعمق بكل الأحداث التي مرت معه، اي يعيد ذاك الشريط الحياتي للأحداث، ويتحرك نحو الإصلاح والتعقيب والتصحيح، وبالتالي يمضي قدماً ويسعى لكي يختار حياة جديدة، حياة يختار فيها الأشخاص الجدد ويزيل الأشخاص اللذين اعطوه دروساً في الحياة اي الدروس اللازمة للوعي والنضج. نقول هنا ان القدر لن يخرج الإنسان من دائرة الإختيار، فنراه يختار ويمضي قدماً بكل اصرار وعزيمة، وإذا حالت الأمور لما هو غير متوقع بفعل قوة خارجية، عندها يمكن القول ان القدر هو الذي اوصلني لما انا عليه، اي ان الإستسلام صفة الجبناء والمتقاعسين والإتكاليين، كل إنسان لديه القدرة الكافية والقوة الفعالة لاختيار شكل الحياة التي يريدها، فلا بد من السعي والإندفاع والشغف والإقبال على الحياة لنيل معالي الأمور وليس الوقوع في الحفرة والقول ارادة الله.
أخيراً ان الحياة لا تتطلب الأقوياء انما تتطلب الأكثر استجابة للتغيير والإندفاع بشغف لكل امور الحياة، فهي لا تعطينا كل ما نحلم به لكنها تعطينا كل ما يتناسب مع قدراتنا، لذا ان السعي والمثابرة والإصرار والإلحاح هم الخطوط الكبرى اللذين يبنوا مستقبل الإنسان، اما الإستسلام فهو لغة الضعفاء والسلبيين.