الثلاثاء 20 شباط 2024 09:24 ص |
"المستعربون"… من تفجير "حيفا"… إلى "معتقل رفح"... |
* جنوبيات عند آذان الفجر تجده أول الوافدين إلى المسجد، يتلو القرآن بخشوع ويُقيم الصلاة بتعبد يكاد يُفطر قلبك المرهف، وفي الأعراس يعيش فرحك فهو يُجيد الدبكة الفلسطينية ويُنشد الزجل الفلسطيني ويتذوق الطعام الفلسطيني، تزرع وإياه ليمونة أو تقطف زيتونة، يسير معك في الأسواق يُلاطفك، يُسامرك لتُدخله منزلك فتُقاسمه طعامك ويُلاعب أطفالك… قد يأخذ شكل بائع خضار، سائق سيارة، مزارع، طالب جامعي …أو حتى رجل دين… لتكتشف متأخراً أنه من أخبث وأسوأ ما أنتجته ذهنية بني صهيون من شر مستدام، أُسقطت من رحم الهاجاناه: "وحدة المستعربين"… و"المستعرب" كنية تاريخية أُطلقت في الأساس على اليهود وغيرهم ممن تبنوا تقاليد العرب ولغتهم. قبل الفتح الإسلامي لبلاد الشام كان اليهود شأنهم شأن باقي الأقليات، يرزحون تحت وطأة الحكم البيزنطي، الذي أمعن في قمعهم بشدة ونفّذ بحقهم العديد من المذابح، ومع امتداد المناطق التي سيطر عليها العرب من بلاد فارس إلى فلسطين…وصولاً إلى الأندلس، تأثرت معظم الإثنيات بالتقاليد العربية والثقافة الإسلامية سيما اليهود، فأُطلق عليهم لقب "مستعربون"، وعلى الرغم من تاريخ اليهود المُظلم، فقد عاشوا ضمن المجتمعات الإسلامية بروح التسامح والمودة، وتمتعوا بالرفاهية الفكرية والسياسية. وحين اجتاحت الغزوات الصليبية بلاد الشام، قاتل اليهود إلى جانب العرب ضد الصليبين وخاصة في مدينة حيفا عام 1100 لعدة أسباب أبرزها: 1. حقد اليهود التاريخيّ على المسيحية ومجازر البيزنطيين بحقهم. 2. إرتفاع مستوى عداوة الصليبين في أوروبا ضد الأديان غير الكاثوليكية وبالأخص اليهود. وتأكد الأمر حين سيطر الصليبيون على بلاد الشام حيث قتلوا الكثير من السكان المسلمين واليهود، حتى اندحارهم في العام 1291. الى أن ثار الغرب من جديد على اليهود وأراد أن يستريح منهم حتى لا يعودوا إلى أوروبا مرة أخرى، فقام بنبذهم وإذلالهم ومن ثم طردهم، فلجأ بعضهم إلى فلسطين التاريخية، ليبدأ الإنقلاب التدريجي "للمستعربين اليهود" على بيئتهم العربية للأسباب التالية: 1. إنّ النزعة العنصرية اليهودية هي موروث نفسي متطرف تحمله الأجيال، يسهل لديهم إيقاظها من خلال الميثولوجيا الدينية. 2. غلبت عليهم تقاليد يهود السفارديم في العبادة، والسلوك الديني بعد طرد الأخيرين من شبه جزيرة أيبيريا (إسبانيا والبرتغال) أواخر القرن 14. 3. تأثروا بعدوى العداء للمجتمعات غير اليهودية، التي حملتها معها يهود الأشكيناز (يهود أوروبا المسيحية) بعد طردهم من فرنسا، ألمانيا وبريطانيا...خلال القرون 13، 14و15. مع بداية الغزو الصهيوني لفلسطين في أواخر القرن 18، توسعت الهوة مع اليهود على الرغم من عددهم الضئيل في حينها (حوالي 5% فقط من سكان فلسطين الأصليين)، وازدادت توسعاً حين أصبحت الصهيونية بمثابة إنتماء قومي لكافة اليهود وبالأخص يهود فلسطين، الذين انصهروا مع الوافدين الجدد، مما أثار فوضى في العلاقات مع الفلسطينيين العرب، فانكشفت أحقادهم وتكرّست في عُرف مجتمعاتهم، لتتحول إلى ثقافة عداء ثابتة، تتناقله أجيالهم، اتجاه العرب عامة والمسلمين خاصة. لتبدأ في ثلاثينيات القرن الماضي مرحلة "المستعربين الصهاينه"، حين قامت عصابات "الهاغاناه" بتشكيل فريق من اليهود العرب، متخذين صفة وهيئة الفلسطينيين ليقوموا بتنفيذ مهمات تجسسية، بالاضافة إلى عمليات قتل وتفجير، كما حصل في سوق مدينة حيفا بتاريخ 6 مارس 1937 حيث قُتل 18 فلسطينيًا بعد انفجار قنبلة، هو الأول من نوعه نفّذه "مستعربون". وفي العام 1943 أسست المنظمة الأرهابية "البلماخ" (من عصابات الهاغاناه) وحدة مستعربة أسمتها "الدائرة العربية"، نفذت عمليات تجسس وتخريب داخل فلسطين والدول المجاورة، واستمر عملها حتى العام 1950. ليعودوا في العام 1953 بحلّة إجرامية أكثر سوءاً، حين شُكلت وحدة مستعربين تابعة لجهاز "الشاباك" إجتازوا تدريبات مكثفة، واندسوا في داخل البلدات الفلسطينية، منتحلين شخصيات مزيفة، فتجرأ بعضهم على الزواج من سيدات فلسطينيات، وفي عام 1959 تم تفكيك هذه الوحدة، وطُلب من أعضائها الخروج من البيئة العربية. حينها إنكشفت خديعتهم، وبانَ زيفهم، فانفضحت هويتهم الصهيونية، ليرحلوا تاركين ضحاياهم من زوجات وأولاد في حالة من الذهول والصدمة. ويعود السبب في تفكيك هذه الوحدة إلى بدء حصول "الشاباك" على معلوماتها الأمنية من مصادر أخرى، وذلك بابتزاز بعض العمال العرب… وتَقَطع استخدام المستعربين حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي، بالتزامن مع الإنتفاضة الأولى في الضفة الغربية، حين أنشأ "ايهود باراك" (حين كان قائد المنطقة العسكرية الوسطى) وحدة من المستعربين سميت "دوفديفان 217” (الكرز ) من قوات النخبة، تهدف إلى التعامل مع المقاومين إما بالإغتيال أو الإعتقال أو التجنيد، أُتبعت لاحقاً إلى اللواء 89 لمكافحة الارهاب والعمليات السرية، تبعها إنشاء عدة وحدات من المستعربين.. لكن تُعتبر "دوفديفان" أبرز هذه الوحدات حيث يتم إختيار أفرادها من ذوي الملامح الشرقية، الذين يجيدون اللغة العربية سيما اللهجة الفلسطينية المحلية، ويخضعون لبرنامج تدريبي خاص لمدة 16 شهراً، يشمل: 1) تعليمهم أركان الإسلام الخمسة إضافة إلى تلاوة القرآن، والعادات والتقاليد الفلسطينية. 2) تدريبهم على أساليب التنكر بالزّي الفلسطيني والتمويه لتسهيل التجول داخل الحشود، إضافة الى التعّقب والملاحقة والتخفي عن الأشخاص المستهدفين في مدن الضفة الغربية ومخيمات اللاجئين، حيث يتم اجراء بعض هذه التدريبات في سوف الكرمل في تل ابيب او مدينة حيفا. 3) التدرب على فنون القتال وجهاً لوجه، إستخدام الأسلحة النارية المختلفة, تقنيات مداهمة منزل وتفتيشه، زرع اجهزة تنصت... بعد الانتهاء من التدريب يخضع عناصرها لفترة تمرس ومراقبة لمدة 6 اشهر، من بعدها يجري إعادة تقييمهم للتأكد من جاهزيتهم لتنفيذ مهمات أكثر تعقيداً تشمل: 1- تنفيذ عمليات إغتيال للمقاومين حتى لو ذهب ضحيتها مدنيين، وقد نَفذت مئات الإغتيالات منذ نشأتها إلى اليوم في الضفة الغربية والقطاع، وليس آخرها إغتيال، لا بل "إعدام" ثلاثة شبان فلسطينيين في مستشفى إبن سينا في جنين… 2- تنفيذ عمليات إعتقال تعسفية، فخلال فترة الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، إعتقلت المئات من الفلسطينيين بعد الإندساس معهم في المظاهرات وتحريضهم على رشق جنود الإحتلال، ومن ثم استدراج الأشخاص المطلوبين واعتقالهم. ومن المرجح أنّها من قام بعمليات التوقيف الأخيرة للمدنيين في قطاع غزة وإذلالهم بمن فيهم الأطفال. 3- تَتبُع قادة ورجال المقاومة لإعتقالهم في أي مكان، وفي هذا قد يلجأون إلى الإيقاع بعائلاتهم عبر التودد إليهم بلغة الإبتزاز والضغط النفسي، أو توقيفهم والتحقيق معهم. 4- عمليات التجسس للحصول على المعلومات وجمعها وتحليلها، من خلال التخفي كأنهم من السكان الأصليين الفلسطينيين. 5- المشاركة يوم 7 اكتوبر (طوفان الأقصى) بالقتال ضد حماس في غلاف غزة، ومن ثم المشاركة في عمليات إغتيال وإعتقال ضمن القطاع، ومما لاشك فيه أنّ وحدات المستعربين تنشط حالياً بين الفلسطينيين ضمن القطاع غزة في ظل فوضى التهجير القسري، حيث يتركز عملهم الآن في الجنوب وبالأخص "معتقل رفح". لقد وُسِمت عبارة "مستعربين" بدلالات سيئة السمعة فرضتها الجرائم التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين. وباتت ممارسات وحداتها لا تقل إرهاباً، عن ممارسات البوليس السري الألماني "الغستابو" أيام النازية من تجسس على المواطنين إلى أعمال عنف وقتل وزّج في المعتقلات، في ما يُعرف "إرهاب الدولة". وإذا كان الغرب قد إعتبر أنّ سياسات القمع والإغتيال والإبادة "ماركة مسجلة" للنازية فقط، فماذا عمّا نَفّذته وتُنفّذه الصهيونية بحق الفلسطينيين؟... وإن لم يكن القتل الجماعي إبادة؟... فماذا عن تجويع مئات الآلاف في "معتقل رفح"؟... في وقت لازالت الذاكرة الأوروبية محفورة على الأسلاك الشائكة لمعتقلات "أوشفيتز"… فمن قال أنّ "النازية" الألمانية قد دُفِنت، و"وجه عملتها" الآخر قيد التداول العالمي؟… المصدر :جنوبيات |