الخميس 7 آذار 2024 21:22 م |
المرأة الفلسطينية في يومها.. عندما تسقط الشعارات أمام رافعيها |
* جنوبيات
قبل أيام، نشر أحد مواطني شمال قطاع غزة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) منشورا أشار فيه إلى أنه تمكن من الحصول أخيرا على كمية ضئيلة جدا من الطعام مقدارها غرامات قليلة من اللحم وحوالي كوب من الأرز، لزوجته التي أنجبت حديثا، وذلك بعد بحث استمر خمسة أيام متواصلة. هذه الحالة تلخص جزءا من ظروف معيشية وصحية كارثية وغير مسبوقة وصلت إليها النساء في قطاع غزة، في ظل استمرار العدوان وحرب الإبادة منذ خمسة أشهر. ويأتي يوم المرأة العالمي هذا العام، في وقت تعاني فيه المرأة الفلسطينية في قطاع غزة من ظروف هي الأخطر والأشد قسوة منذ عقود، والتي تشمل استشهاد آلاف النساء والفتيات (9 آلاف شهيدة من إجمالي عدد الشهداء البالغ 30,717)، بالإضافة إلى حالات الاعتقال والإخفاء القسري، وتردي الأوضاع الصحية والمعيشية، والنزوح، وانعدام المأوى، بالإضافة إلى عدم توافر الغذاء والماء. وتعاني المرأة في الضفة الغربية من ظروف حياتية في غاية الصعوبة بسبب التصعيد الكبير الذي تمارسه سلطات الاحتلال والمستعمرون في مختلف المحافظات، وتبعات ذلك من انتهاكات، ومنها الاعتقالات المتصاعدة، والتضييقات على الحواجز العسكرية، وعمليات التهجير القسري لعدد من العائلات بسبب عنف المستعمرين ضد العديد من التجمعات، أو الإجراءات العقابية وعمليات الهدم التي تنفذها قوات الاحتلال في العديد من المناطق بالضفة والقدس. في هذا الخصوص، توضح وزيرة شؤون المرأة آمال حمد في حديث لـ "وفا"، أن المرأة الفلسطينية تعيش خلال الأشهر الأخيرة ظروفا غير مسبوقة من حيث خطورتها وتبعاتها المستقبلية، ضمن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها سلطات الاحتلال في قطاع غزة، بالإضافة إلى وضع كارثي وصعب في الضفة الغربية نتيجة التصعيد الإسرائيلي الكبير. وتضيف أن المرأة كغيرها من فئات المجتمع تتعرض لاستهداف خطير ومتصاعد، لكن واقع المرأة يعتبر الأصعب والأخطر لأسباب عديدة، كونها هي المنجبة والمربية للأبناء، وبالإضافة إلى ذلك تعتبر النساء وخاصة الحوامل واللواتي أنجبن حديثا من أكثر فئات المجتمع هشاشة من الناحية الصحية والجسدية، وعدم تلقيهن الرعاية الملائمة يقود إلى تبعات تصل إلى حد الإصابة بالأمراض الخطيرة والوفاة، معتبرة أن استهداف النساء بشكل كبير وملحوظ يأتي في سياق استهداف نسيج المجتمع الفلسطيني بشكل عام والصراع الديمغرافي مع الاحتلال. وأوردت بعض المؤسسات التوثيقية ومنها وزارة الصحة الفلسطينية إحصائيات تشير إلى خطورة وضع النساء في ظل الحرب وخاصة الحوامل على وجه التحديد، حيث يوجد حوالي 60 ألف امرأة حامل في قطاع غزة يعانين ظروفا صحية في غاية الصعوبة بسبب عدم تلقي الرعاية، وكذلك بسبب توقف عدد كبير من المستشفيات عن العمل، وهذا يعني عدم وجود المكان المناسب والآمن للولادة، وهو ما قد يؤدي إلى ازدياد أعداد الوفيات من النساء بسبب ذلك. كما أشارت وزارة الصحة في تقاريرها الأخيرة إلى "أن المخاوف المتعلقة بالصحة العامة تتزايد بشكل كبير، ما يؤثر على النساء، ويرجع ذلك إلى استمرار القصف، ونقص الإمدادات الغذائية والمياه، وانهيار النظام الصحي، ومحدودية وصول المحتاجين إلى المساعدات العاجلة". كما أوضحت التقارير ذاتها أن هناك 183 ولادة يوميا، وفي أعقاب الهجمات الإسرائيلية على المرافق الصحية والعاملين فيها انخفضت الموارد المتاحة لرعاية النساء الحوامل ومواليدهن، ما اضطر بعضهن للولادة في خيام ومواقع غير صحية، ويضاف إلى ذلك ارتفاع الولادات المبكرة، وحالات الإجهاض، وعدد الوفيات في الأطفال حديثي الولادة. وتعقيبا على ذلك، أكدت وزيرة شؤون المرأة أن أسباب وفاة النساء الفلسطينيات زادت بشكل كبير، ومن هذه الأسباب القصف وقنابل الاحتلال، أو نتيجة لظروف الحمل والولادة مع انعدام الخدمات الطبية وتبعات ذلك من مضاعفات وأمراض، بالإضافة إلى الأمراض المزمنة في ظل عدم توفر العلاج والأدوية اللازمة. كما تطرقت للحديث عن أخطر أشكال الانتهاكات الأخيرة بحق النساء في قطاع غزة والضفة الغربية، وهي الاعتقالات المتصاعدة التي تنفذها سلطات الاحتلال ضد النساء، مشيرة إلى خطورة وضع المعتقلات في المناطق التي دخلتها قوات الاحتلال في غزة، إذ لا يوجد معلومات دقيقة عن أعداد المعتقلات وأماكن احتجازهن، كما أن المعتقلات المتواجدات داخل السجون حاليا يتعرضن لأشكال خطيرة وغير مسبوقة من الانتهاكات والتعذيب والترهيب. وفي تفاصيل أوضاع المعتقلات الفلسطينيات، أصدرت مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان)، تقريرا أكدت فيه أن "عمليات اعتقال النساء ومنهن القاصرات من أبرز السياسات التي انتهجها الاحتلال وبشكل غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر، حيث بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف النساء بعد السابع من أكتوبر، نحو 240، ويتضمن هذا المعطى النساء اللواتي تعرضن للاعتقال في الضفة بما فيها القدس، وكذلك النساء من الأراضي المحتلة عام 1948، فيما لا يوجد تقدير واضح لأعداد النساء اللواتي اعتقلن من غزة، حيث أفرج عن عدد منهن لاحقا، إلا أنه من المؤكد أن هناك نساء ما زلن معتقلات في معسكرات الاحتلال، وهن رهن الإخفاء القسري". وبيّنت هذه المؤسسات في تقريرها: "أنه وحتى إصدار هذا التقرير، فإن عدد الأسيرات القابعات في سجون الاحتلال، وغالبيتهن محتجزات في سجن (الدامون) بلغ 60 أسيرة، بينهن أسيرتان من غزة يقبعن في سجن (الدامون)، فيما نؤكد مجددا أن لا معلومات حول أعداد أسيرات غزة في معسكرات الاحتلال الإسرائيلي". كما "أكدت مؤسسات الأسرى أن إحدى أبرز الجرائم التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق النساء الفلسطينيات، ومنهن الأسيرات، الاعتداءات الجنسية، والتي تضمنت التحرش، والتّفتيش العاري، إضافة إلى التهديد بالاغتصاب، هذا عدا عن إعلان الأمم المتحدة في بيان رسمي لها عن وجود تقارير موثوقة بتعرض معتقلات من غزة للاغتصاب". وحول دور المؤسسات الحقوقية الدولية تجاه ما يجري من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، قالت الوزيرة آمال حمد إن الظروف الأخيرة في فلسطين أسقطت الأقنعة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وأظهرت بشكل كبير حجم التفريق وسياسة الكيل بمكيالين. وأضافت: في الوقت الذي يذهب فيه العالم للمطالبة بحقوق متقدمة للمرأة، أصبحت المرأة الفلسطينية تطالب بحقوق بسيطة جدا، أبرزها شرب الماء النظيف، ورغيف الخبز، والمكان الآمن للعيش، والحصول على الرعاية الطبية. كما أكدت أن تبعات هذا العدوان لن تتوقف بمجرد وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب، بل ستستمر تبعاته النفسية والصحية والمعيشية لسنوات طويلة على المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص. كما قالت حمد، إن التصعيد الذي يحدث خلال الأشهر الأخيرة في الضفة الغربية وتبعاته على المجتمع بشكل عام والنساء بشكل خاص لا يقل خطورة عما يجري من حرب إبادة في قطاع غزة. بدورها، نوهت مسؤولة دائرة المرأة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين عائشة حموضة إلى أن كل الأرقام والإحصائيات الأخيرة تشير إلى وضع متردي وكارثي للنساء على مختلف الأصعدة، ومنها الإحصائيات المرعبة المتعلقة بأعداد الشهيدات، والمعلومات المتعلقة بالمعتقلات، والظروف الصحية للنساء النازحات. وأضافت حموضة، أن تردي الأوضاع المعيشية وعدم توافر المياه وأدوات النظافة يضع النساء والفتيات أكثر من غيرهن في ظروف صحية في غاية السوء، كما أن أعدادا كبيرة من النساء اضطررن بسبب ذلك إلى قص وحلق شعر الرأس لهن ولطفلاتهن بسبب عدم توفر كميات المياه والأدوات اللازمة. كما تحدثت عن عدة مؤشرات وظروف تجعل معاناة النساء مضاعفة جراء ظروف الحرب والحصار، ومنها ظروف الحمل والولادة، بالإضافة إلى كون النساء وخاصة الأمهات هن المسؤولات عن إطعام الأبناء وتجهيز الطعام لهم، وفي ظل عدم توفر الغذاء تعاني النساء عبئا نفسيا كبيرا لاضطرارهن إلى إعداد الطعام من المواد الغذائية والخضار الفاسدة أو من الحشائش وأعلاف المواشي. وأكدت أن الظروف الأخيرة أضافت ثقلا كبيرا على كاهل ألوف النساء، فبسبب الحرب وما تسببه من استشهاد أو إصابة أرباب الأسر المعيلين أصبحت النساء هن المعيلات في كثير من الأسر، حيث تشير التقديرات لدى حموضة إلى أنه ومنذ بداية العدوان أصبحت هناك 14 ألف أسرة إضافية في الضفة وغزة تعيلها النساء بشكل كامل. ويوضح تقرير تفصيلي أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حول أوضاع المرأة الفلسطينية عشية اليوم العالمي للمرأة، أن عدد الشهيدات منذ بداية العدوان على قطاع غزة بلغ ما يزيد عن 9 آلاف شهيدة من إجمالي عدد الشهداء البالغ 30,717 شهيداً، كما أن 75% من إجمالي عدد الجرحى والبالغ 72,156 جريحاً هم من الإناث، فيما تشكل النساء والأطفال ما نسبته 70% من المفقودين في قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي، والبالغ عددهم 7000 شخص. كما أشار التقرير ذاته إلى أن الإناث يشكلن نصف النازحين من أماكن سكنهم في قطاع غزة بسبب ظروف الحرب، حيث بلغ العدد الإجمالي للنازحين حوالي 2 مليون شخص. وحول أوضاع النساء خلال التصعيد في الضفة الغربية والقدس، أوضح التقرير أنه استشهد 423 شهيدا تزامنا مع العدوان على قطاع غزة، منهم 4 شهيدات. كما تناول التقرير تبعات التهجير القسري من المساكن في الضفة الغربية والقدس على النساء، "حيث تم تهجير 592 فلسطينياً من المناطق المصنفة (ج) والقدس الشرقية في أعقاب هدم منازلهم بحجة عدم الترخيص، إضافة إلى تهجير 830 فلسطينياً بعد تدمير 131 منزلاً خلال العمليات التي نفذتها القوات الإسرائيلية في شتى أرجاء الضفة الغربية، حيث شهدت مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم للاجئين نحو 95% من حالات التهجير". وفي الوقت الذي يتغنى به العالم بحقوق المرأة ويحتفل بيومها العالمي، فإن الاحتلال الإسرائيلي حرم المرأة الفلسطينية من أبسط حقوقها كحقها في الحياة الكريمة، وحقها الطعام والشراب والمسكن وفي الأمان والحرية والحركة والتعبير..، وهي تتعرض لهجوم ممنهج للنيل من وجودها وكينونتها أمام عالم يرى ويسمع ولا يحرك ساكنا. المصدر :وفا- إسراء غوراني |