صدر عن "دار النهار للنشر"، لبنان، كتاب بعنوان "شيرين أبو عاقلة الشاهدة والشهيدة" للإعلامي والكاتب والمُحلل السياسي هيثم سليم زعيتر.
جاء الكتاب في تسعة أبواب، يوثّق فيه زعيتر مسيرة حياة الصحفية شيرين وعملها الإعلامي، ودورها عبر شاشة قناة "الجزيرة"، ومُساهمتها في توضيح حقيقة الرواية الفلسطينية بمُواجهة زيف ادّعاءات الاحتلال، الذي اتخذ قراراً سياسياً باغتيال شيرين، نُفّـذ بأوامر عسكرية، وبقنص مُتعمد لدى تغطيتها اقتحامات المُحتل في مخيم جنين.
يضم الكتاب العديد من الصور لشيرين أبو عاقلة، في مراحل مُتعددة من حياتها منذ الطفولة حتى استشهادها، صباح يوم الأربعاء 11 من أيار/مايو من العام 2022، في مخيم جنين.
بعنوان "لأجل القدس وفلسطين بكت شيرين"، يقول زعيتر عن شيرين: "هي الشاهدة على جرائم الاحتلال واعتداءاته، رغم صلابتها وقوتها، لكن كان قلبها ينفطر لرؤية الاحتلال ومُستوطنيه يعيثون فساداً في الأرض المُقدسة".
مرّات عديدة، كان المشهد يكسر قلب شيرين، وهي ترى اقتحامات قُوات الاحتلال لباب العامود في القُدس المُحتلة، وفضلاً عن جرائمه المُتكررة بحق الأسرى والأطفال على الأرض المُباركة.
في العام 2021، لم يستطع قلب شيرين أن يُواصل تحمُل رباطة جأشها، وهي تنقل الصورة عبر قناة "الجزيرة"، على الهواء مباشرة، حين أحست بالخطر على أبناء مدينتها القدس، لحظة نزول المستوطنين، ليدنّسوا ساحات باب العامود، وهم يحملون علم كيانهم، ودخلوا عنوة إلى المسجد الأقصى المبارك وأحياء البلدة القديمة.
لأجل القدس وفلسطين، بكت شيرين في ذلك العام على هذا المشهد.
وفي العام الذي تلاه، أبكت العالم أجمع باستشهادها، لتُصبح أيقونة في الدفاع عن الأرض المحتلة.
بعنوان "شهيدة جرائم حرب إسرائيلية متعمّدة"، يقول المُؤلف هيثم زعيتر: "إن الاحتلال لا يتوانى عن تنفيذ مُخططاته مُرتكباً المجازر بعدوان مُتوصل غير آبه بالشرائع السماوية أو المواثيق والأعرف الدولية، كما أنه لا يُفرق في المكان أو الزمان، أو المُستهدف، سواء أكان بشراً، أم حجراً، أم شجراً. ينفذ ما هو مخطط ومدروس بعناية، لتحقيق الغاية".
ويرى زعيتر، أن الاحتلال يُمارس التهجير القسري، والتمييز العُنصري ويرتكب المجازر، والاغتيال والقتل، والاعتقال والإبعاد، والأسر، حتى لجثامين الشُهداء في ثلاجات ومقابر الأرقام، فضلاً عن التوسع الاستيطاني، وهدم المنازل، وتجريف الأراضي ومُصادرتها، وقرصنة الأموال، والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
وعن سبب تأليف كتاب عن الصحفية شيرين أبو عاقلة يقول زعيتر: "إن من يُناضل من أجل قضية آمن بها، يستحق توثيق مسيرة حياته، فكيف إذا كانت ممن قدموا أرواحهم فداء لذلك".
لهذا قررت العمل على توثيق مسيرة حياة الصحفية المتألقة شيرين أبو عاقلة، وما يتعلق بجريمة الاغتيال المُتعمدة التي نفذها الاحتلال بحقها، والاعتداء على النعش، وموكب التشييع والمُشيعين ومُمارسة التضليل الإعلامي".
ويضيف زعيتر، أن هذا أقل واجب، لمن لم يبخل بدمائه من أجل وطنه، وعدالة قضيته، وليس إلا جهداً بسيطاً أردتُ من خلاله أن يظهر لكل من يستطيع تناول الجريمة، بما فيها من عبر ومآثر، في إطار مشروع تكاملي بأي وسيلة، لأن المعركة ضد المحتل، مُتنوعة الأساليب والسُبل والوسائل، وفي طليعة ذلك المجال الإعلامي.
وخلص زعيتر، إلى أن شيرين استطاعت أن تجسد النموذج الفلسطيني بكل أشكاله وتلاوينه، الذي لا يُفرق بين فلسطيني وآخر، لا في جنسيته، ولا طائفته ولا حتى في انتمائه إلى منطقة بعينها.
كتب تقديماً للكتاب عضو اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير الفلسطيني" ورئيس "اللجنة الرئاسية العليا" لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين الدكتور رمزي خوري بعنوان "وفاء شعبنا ومحبته لشيرين حية وشهيدة"، يقول: "أنه تردد كثيراً قبل أن يكتب تقديماً لهذا الكتاب الذي يوثق لأيقونة فلسطين وإعلامها، شيرين أبو عاقلة، لأننا جميعاً نهتز أمام عظمة الشُهداء، ونرتجف أمام سمو روحهم وصدق فعلهم، كما أنه استحضر أثناء الكتاب لحظة استشهاد شيرين برصاص الغدر والإرهاب في قلب مُخيم جنين، وهي تؤدي رسالتها المُقدسة، كما يستذكر الشعب الفلسطيني رسائلها في نقل معاناة شعبنا وصوت المظلوم من القدس وبيت لحم والخليل ورام الله ونابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية وأريحا، ومن قرى فلسطين المحتلة وجبالها ومن المُخيمات الصامدة، فأظهرت رسائلها استهداف الاحتلال روح السلام في أزقّة القدس وبيت لحم".
ويرى خوري، أن هذا الكتاب يشهد لشيرين الشهيدة إصرارها على مُتابعة جرائم الاحتلال بحق شعبها أطفالاً ونساءً ورجالاً وشيوخاً، ويشهد لها وهي تنقل رسائلها الإعلامية من القدس، وامتهان كرامة المؤمنين في المسجد الأقصى المُبارك وكنيسة القيامة.
وبيّن خوري، أن هذا الكتاب يستعرض سياسة الاحتلال المُمنهجة لاستهداف الصحفيين الناقلين للحقيقة في فلسطين، واستطاع هذا الكتاب أن يُقدم الاحتلال نموذجاً في انتهاك القوانين الدولية ليس بحق الصحفيين الأحياء فحسب، وإنما بحق جثامينهم، والمُشيعين لها، ومحاولته سرقة جثمانها الطاهر بعد أن سرق حياتها، لكنه لم يتمكن من سرقة الحقيقة التي دفعت شيرين حياتها ثمناً لها، ويظهر الكتاب في صفحاته وفاء شعبنا ومحبته لشيرين حية وشهيدة.
ثم يتحدث خوري عن وداع جنين مخيمها الذي ارتوى بدمائها، واحتضنتها مدينة القدس، مسقط رأسها، وشيعتها بكل فخر واعتزاز، فكان مشهداً عظيماً يليق بعظمة الشهداء، مشيراً إلى أن الكتاب يعرفنا على شيرين الإنسانة، ومسيرتها المهنية التي استمرت ربع قرن، ويروي للأجيال كيف تحولت الشهيدة بدمائها الزكية إلى أيقونة الحق والحقيقة، وكيف تحولت مراسم تشييع جثمانها الطاهر إلى عرس وطني، رغم ما قام به الاحتلال من انتهاك واعتداء وحشي على جثمانها وعلى المُشيعين لهذا الجثمان الذي أبى إلا أن يُرسل رسالته الأخيرة للعالم عن طبيعة ودموية هذا الاحتلال، فيما أكدت هيبة جنازتها على رسالة أخرى وهي أن القُدس فلسطينية وستبقى كذلك إلى الأبد.
ويوضح خوري، أن الكتاب يظهر كيف هز خبر استشهاد أبو عاقلة أركان المعمورة، وكيف فرضت الحقيقة نفسها على الجميع، فتضامن العالم معها ورفع صوته في وجه المجرم بالرفض والاستنكار والمُطالبة بالعقاب، مبيناً أن الكتاب يستعرض مُحاولات الاحتلال ومنظومته الأمنية والسياسية والعسكرية والإعلامية التملّص من جريمته البشعة.
وخلص خوري، إلى أن "هيثم زعيتر"، من خلال هذا الكتاب يوثق لـ"شيرين أبو عاقلة، الشاهدة والشهيدة"، وكيف كرمت فلسطين والعالم مؤسساته الإعلامية والنقابية والحقوقية والكثير من المُؤسسات الرسمية الفلسطينية والعربية والدولية أيقونة فلسطين وأيقونة الإعلام الفلسطيني، مؤكداً أن شيرين ستبقى حية وحاضرة في وجدان الشعبين الفلسطيني والعربي والكثير من شُعوب العالم والمُدافعين عن الحقيقة والرافضين للظلم والقهر والاحتلال وستبقى شيرين "أيقونة فلسطين"، و"أميرة الصحفيين الفلسطينيين".
من جانبه يقول مدير دار النهار للنشر زياد شبيب في كلمة الناشر وهي بعنوان: "أن تشهد للحق": "إن أهمية هذا الكتاب تكمن فيما يؤديه من تصويب لوجهة النضال الوطني الصافي وللرسالة التي يُرسلها للداخل والخارج عن عُمق التشبّث بالأرض والقضية وشُهدائها الحقيقيين من أمثال شيرين أبو عاقلة التي ولدت في القُدس لعائلة تنتمي إلى بيت لحم، القرية التي ولد فيها المسيح، وشهدت للحق، وهو الطريق والحق والحياة، وسال دمها في جنين، قبل أن تزف على مدى ثلاثة أيام إلى القُدس، ملامح وجهها تشبه حاملات الطيب اللواتي أتين إلى القبر ووجدنه فارغاً ونقلن خبر القيامة".
ويؤكد شبيب، أن فلسطين كانت وما تزال تحتل في دار النهار موقعاً يتناسب مع مكانتها كقضية وطنية وإنسانية ولم تغب عن أولويات النشر يوماً ولن تغيب، مبيناً أنه عندما وقعت جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة كان من الواجب التفكير بعمل يليق بمسيرتها المميزة مهنياً والمتوجة بإكليل الشهادة، ويتناسب مع هول الجريمة.
ويشير شبيب، إلى أن "هيثم زعيتر"، على طريقته وأسلوبه في جمع كل أجزاء هذا الملف في جوانبه السياسية والحقوقية، والإعلامية، والإنسانية، ويضعه بين يدي القارئ كي لا تضيع الحقيقة ولا تتبدد دماء الشهيدة، ويكون مرجعاً لكل من آمن بعدالة منطلقاتها.
ويقول شبيب: "إن تشهد للحق في هذا العالم أمر استثنائي وغاية في الخطورة. وإذا رغبت بذلك وصممت عليه فقد لا تجد من يُجاريك أو يستمع إليك، وتكون مُعرّضاً للاضطهاد أو حتى للقتل جسدياً أو معنوياً، هذا ما ينتظرك عندما تواجه من يغتصب الأرض منذ عقود في فلسطين، أو عندما تتجرأ على نقل حقيقة ما يجري هناك فقط، أي تتجرأ على عدم تبني الرواية التي يُحاول المُحتل فرضها ليتمكن من الاستمرار في جريمته".
ويقول شبيب: "إنه ليس سهلاً أن تقرر شابة فلسطينية درست في الخارج، أي في ما يسمى بالشتات الفلسطيني، أن تعود إلى القُدس لتُمارس الشهادة للحق في مهنة الإعلام في أخطر الأمكنة وأقدسها، وأن تبذل حياتها بدلاً من السعي إلى النجاح المهني في بلاد الله الواسعة، والشاشات العربية أو العالمية المُتسعة لأصحاب المواهب والقُدرات مثل شيرين".