بحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي، فإنّ العدد الإجمالي لحالات الإنتحار في لبنان إرتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية، وهي بلغت في العام 2014 ما مجموعه 144 حالة، وفي العام 2015 ما مجموعه 138 حالة، وفي العام 2016 ما لا يقلّ عن 150 حالة (الرقم الرسمي لم يصدر بعد). ولا تبدو بداية العام 2017 أفضل حالاً بعد مرور شهر واحد فقط، حيث شهد العديد من حالات الإنتحار، علمًا أنّ معدّل حالات الإنتحار في لبنان يُقدّر بحالة واحدة لكل ثلاثة أيّام وحتى لكل يومين ونصف. لماذا؟
بحسب الخبراء النفسيّين، إنّ ظاهرة الإنتحار ليست محصورة ببلد دون سواه، ولا بطبقة إجتماعيّة دون سواها، ولا بفئة عمريّة دون غيرها، مع الإشارة إلى أنّه بحسب إحصاءات مُنظّمة الصحّة العالميّة، ينتحر في العالم نحو 800 ألف شخص سنويًا، ولبنان يُعتبر من الدول التي تُسجّل حالات إنتحار مُرتفعة، لكنّه يندرج في مرتبة مُتأخّرة عربيًا، وفي وسط القائمة عالميًا. وبالنسبة إلى أبرز الأسباب التي تدفع البعض إلى الإنتحار، فهي تتمحور حول فقدان الشخص المعني الأمَل، ومُواجهته أفقا مَسدودًا في موضوع أو مواضيع حسّاسة ومهمّة بشكل كبير في حياته، ما يدفعه إلى الهروب إلى الأمام عبر الإنتحار. ويدخل في سياق أبرز الأسباب الدافعة إلى الإنتحار، ما يلي:
أوّلاً: الوقوع في ورطة ماليّة كبيرة، والغرق في الديون، بشكل سيُؤدّي إلى تدهور كبير لا مفرّ منه على مُستوى الحياة الإجتماعيّة للشخص المعني أو لربّ العائلة. (النسبة الأكبر لحالات الإنتحار الناتجة من ديون مالية، تعود لرجال متوسّطي العُمر).
ثانيًا: التخبّط في رباط عاطفي فاشل وغير قابل للتطوير لسبب ما، أو في حياة زوجيّة مليئة بالمشاكل والخلافات والخيانات والضغوط اليوميّة، وربّما بالتعنيف الجسدي واللفظي الدائم، أو التخبط في حالة طلاق أو ضمن عائلة مُفكّكة في ظلّ خلافات شديدة مُستمرّة. (النسبة الأكبر لحالات الإنتحار الناتجة من حالات عاطفيّة فاشلة، تعود إلى مراهقين ومراهقات وشباب بين سن 15 و25 سنة، وتلك الناتجة من زيجات فاشلة تعود إلى نساء مُتوسّطات العمر).
ثالثًا: عيش حالة من المُعاناة مع مرض مُزمن أو مُستعصٍ من دون أي أمل بالشفاء، خاصة إذا ترافقت مع عجز عن التحكم بالحركة، أو مع الحاجة الدائمة إلى المُساعدة من قبل الآخرين للقيام بأدنى وظائف الحركة اليوميّة.
(النسبة الأكبر لحالات الإنتحار الناتجة من حالات مرضيّة مستعصيّة، تُسجّل لدى متوسّطي إلى كبار السنّ، بغضّ النظر عن الجنس).
رابعًا: التعرّض لحالات نبذ إجتماعي حادّة، بحيث يُصبح الإنسان وحيدًا لا أهل يُؤازرونه، ولا أقارب أو أصدقاء أو حتى زملاء إلى جانبه، ما يُؤدّي إلى فراغ عاطفي هائل. (النسبة الأكبر لحالات الإنتحار الناتجة من حالات الفراغ العاطفي، تشمل المُراهقين ضمن عائلة مُفكّكة، والمُتقدّمين في العمر، وتحديدًا فوق السبعين، في حال تخلّي العائلة والأولاد عنهم).
خامسًا: المُرور بضائقة إقتصادية ومعيشيّة طويلة الأمد، أو في بطالة مُزمنة، والعجز عن تأمين المأكل والمشرب وأدنى مُتطلّبات الحياة. (النسبة الأكبر لحالات الإنتحار الناتجة من حالات الضغوط الحياتيّة، تطال الشخصيّات التي لديها مسؤوليّات وواجبات مالية تجاه الآخرين تعجز عن تلبيتها بشكل مُستمرّ).
سادسًا: التعرّض لإضطهاد دائم من المُجتمع لعيب خُلقي، أو بسبب تمييز عنصري أو جنسي أو ديني أو طبقي أو لأي سبب آخر، ما يتسبّب تلقائيًا بعقد نفسيّة تترافق مع إنعزال تصاعدي عن المُجتمع ومع إنفصال عن الحياة الروتينيّة، الأمر الذي يرفع إحتمال اللجوء إلى الإنتحار. (النسبة الأكبر لحالات الإنتحار الناتجة من حالات الإضطهاد المُجتمعي، تطال الشخصيّات الضعيفة والحسّاسة جدًا وخُصوصًا المُفتقرة للثقة بالنفس).
سابعًا: السقوط في حالة من المرض النفسي الطويل الأمد لمُطلق أيّ سبب، وعدم التوجّه إلى طبيب مُتخصّص للمُعالجة، وإحتمال اللجوء إلى الإدمان على المُخدرات أو على الكحول بشكل مُفرط، للهروب من الواقع المُعاش. (النسبة الأكبر لحالات الإنتحار الناتجة من حالات نفسيّة، تطال شخصيّات تُعاني من أمراض نفسيّة مُزمنة وليس عابرة، من دون أن تلقى يد المُساعدة من قريب أو صديق).
ثامنًا: العيش بعيدًا عن الوطن والأهل في ظروف صعبة، خاصة في ظروف أشبه بالعُبوديّة، والتعرّض لكل أنواع الإنتهاكات على مُستوى حقوق الإنسان المعروفة. (النسبة الأكبر لحالات الإنتحار الناتجة من حالات عيش صعبة، تشمل مُدبّرات المنازل الذين يعملون في دول العالم الثالث).
تاسعًا: الإنجرار وراء عقائد دينيّة وكذلك وراء مُعتقدات فكريّة وربّما أيضًا وراء هلوسات جَماعيّة، تُصوّر الموت كمحطّة عُبور إلى حياة أرضيّة ثانية أفضل، أو إلى حياة سماوية هانئة، إلخ. (النسبة الأكبر لحالات الإنتحار الناتجة من حالات دينيّة وعقائديّة، تتركّز لدى أشخاص سريعي التأثّر بالروحانيّات من دون أيّ مُسوّغات علميّة).
في الخلاصة، وانطلاقًا من مقولة “تعدّدت الأسباب والموت واحد”، الأكيد أنّ ظاهرة الإنتحار تزداد في لبنان، نتيجة إزدياد مُختلف أنواع الضُغوط الملموسة والفعليّة من جهة، والمعنويّة والنفسيّة من جهة أخرى. ومعرفة الأسباب هي بداية الطريق لإيجاد الحلول، علمًا أنّ هذه الحلول تُشكّل دائرة مُترابطة ما بين الدولة وهيئات المُساعدة الإجتماعيّة والمُجتمع والعائلة، الأمر الذي يزيد من صُعوبة المهمّة، ويترك الأشخاص الذين ينتحرون أو يُحاولون الإنتحار أو يُفكرون فيه… متروكين لمصيرهم للأسف الشديد!