الجمعة 5 نيسان 2024 22:59 م

"سارقُ الأكفان"!


* جنوبيات

يُحكى في التّراثِ الشّعبيّ العراقيّ أنّ هناك سارقًا وقاطعَ طريقٍ في البصرة اسمه "معيط". وكان النّاس يعرفونه ويلعنونه "لعنًا شديدًا" كلّما ذُكِرَ اسمه، لأنّه كان يسرق أكفان الموتى الذين يُجلبون من الخارج فيُدفنون في البصرة باسم "الوديعة" لحين نقل الجثامين بالقوارب التي تُسمّى "الكلك" إلى الكوفة، عبر شطّ العرب ونهر الفرات، ومن ثمّ إلى النّجف حيث مستقرّها الأخير.

فلمّا مات "معيط" ارتاح النّاس من شرّه، وصاروا يلعنونه لأمدٍ طويل، ليرتبط اسم معيط باللعن كلّما جاءت سيرته.

وكان لمعيط (وقبل أن يتوفّاه الأجل) ابن يُدعى "شعيط". وقد أوصاه بأن لا يدّخر جهدًا لرفع اللعن عنه. 

فكّر شعيط كثيرًا بالأمر حتّى توصّل إلى حلٍّ وحيد "يقوم به" كي يرفع اللعن عن اسم أبيه. ومردّ هذا الحلّ أن يقوم شعيط بفعلٍ أكثر شناعة من فعل أبيه، وذلك لينسى النّاس أباه ويلعنوه هو بدلًا عنه.

وعلى هذا الأساس سرق شعيط أكفان الموتى (كما كان يفعل أبوه) لكنّه لم يكتفِ بذلك، إذ وضع رفات الموتى على خازوقٍ خشبيّ للتمثيل بهم بعد سرقة أكفانهم!

فلمّا عرف النّاس ما فعله "شعيط" صاروا يردّدون: "رحم الله معيطًا فقد كان يسرق أكفان الموتى من دون أن "يخوزقهم". ولعنة الله على "شعيط" الذي يقوم بالتّمثيل بهم. 

وبهذه الحيلة رفع "شعيط" اللعن عن أبيه "معيط" بذكاءٍ شيطانيٍّ، ليس له مثيل.

أمّا حالنا في وطننا الجريح، وعلى الوجه الصّحيح، فإنّ ما يقوم به المسؤولون العابثون في حياة الشّعب المسكين لهو أقسى وأدهى وأنكى بكثير من فعلَي "معيط وشعيط"!

وما بين معيط وشعيط، وكما يقولون بالعاميّة: "فتنا بالحيط".

فيا ربّ ارحم، وأنت الأكرم...

 

 

المصدر :جنوبيات