كانت المرّة الأولى التي يحظى بها “مجد” برضى والدته.. غادر منزله في جب جنين مسروراً. بعد نصف ساعة وصل إلى شقّة حديثة البناء في سوق المرج، أشعل سيجارته الأولى ثمّ الثانية منتظراً عودة “صاحبها”. دقائق معدودة حتّى خُلع باب الشقّة. عشرات الأشخاص المدجّجين بالسلاح يوجّهون بنادقهم تجاهه ووابل من الرصاص ينطلق في المكان.
إنبطح الشاب الثلاثيني في أرض الدار تنفيذاً للأوامر، كُبّلت يداه إلى الخلف، فيما انتشر رجال المخابرات في كلّ مكان. لحظات قليلة كانت كافية لضبط صناديق مليئة بالمواد التي تُستخدم في تصنيع العبوات الناسفة. من الحمّام إلى المطبخ نُقلت الـ”كراتين” ومعها “مجد” ليتمّ إلتقاط صور له معها ويُقتاد إلى التحقيق.
تلك كانت رواية المتهم مجد علاء الدين النازح من سوريا في تشرين الثاني من العام 2015 مع شقيقه عبدالله وأفراد عائلته، قدّمها مساء الجمعة أمام المحكمة العسكرية برئاسة العميد حسين عبدالله. أُخرج الموقوف من النظارة ليقف إلى جانب شقيقه الأصغر، يواجهان معاً تهمة “الإنتماء إلى تنظيم إرهابيّ وتصنيع متفجّرات وعبوات ناسفة بغية إستعمالها داخل لبنان”.
بداية كشف رئيس المحكمة أنّ المعلومات الأوليّة تُفيد عن قيام مجموعة تابعة لتنظيم متطرف في سوريا بتصنيع متفجّرات داخل خيمة للنازحين السوريين في لبنان، وقد ضُبط بداخلها صواعق ومواد كيميائيّة وبراغي ومعدّات تُستخدم في تصنيع العبوات الناسفة وتفخيخ السيّارات، فتمّ توقيف الشقيقين “مجد” و”عبدالله” ووالدهما (تُرك لاحقاً)، في ظلّ توافر معلومات عن قيام الأوّل بإتّقان تصنيع العبوات بعد التدرّب على ذلك عبر الإنترنت وأنّه قام فعلاً بتصنيع 100 عبوة بينها 50 عبوة خارقة للدروع. وتوجّه العميد إلى الشقيق الأكبر بالسؤال: “المعلومات تُشير إلى أنّك كنت تتواصل مع شخص يُدعى “أبو جميل” عبر الفايسبوك وقد طلب منك تسليم 50 قنبلة إلى مجموعة تابعة لـ”داعش؟”، فردّ: “دعني أُخبرك ما حصل بالتحديد، يوم توقيفي في الثالث من آذار، خرجت من المنزل بعد أن أخذت رضى أمّي للمرّة الأولى، فنحن كنّا دائماً على خلاف. كنت مسروراً لأنّها كلّمتني قبل أن أخرج، ثمّ قصدت “منزل حماي”، عنده فتحت الفايسبوك وتواصلت مع “أبو جميل” المعروف من قبلي وهو سوري أيضاً، وفخبرني أنّ شخصاً سيتصل بي ويطلب مني أن أنفّذ ديكور جبصين لشقته الحديثة، وأخبرني أنّ كلمة السرّ هي “حيدر” فظننت أنّ الشخص الذي سألقاه إسمه “حيدر”.
“بعد حوالي نصف ساعة – يتابع الموقوف – وردني إتّصال من رقم طلب منّي ملاقته إلى الشقّة المنوي إجراء الديكور فيها وأرسل لي سيّارة أقلّتني إليها. دخلت الشقّة في سوق المرج حيث كان بانتظاري شخص لم يُعرّفني عن نفسه، بادرته بالسؤال هل أنت “حيدر” فلم يُجبني، بل أبدى رغبته بأن أُلقي نظرة على الشقّة وأن آخذ القياسات كي يعرف كم هي تكلفة العمل فيها. أخبرته أنّي لا أملك متراً، فطلب مني أن أنتظره قليلاً ريثما يُحضر متراً، وقال أنّه لن يتأخّر أكثر من 5 دقائق. جلست على الكرسيّ أشعلت سيجارتي الأولى فالثانية وقبل أن أُنهيها خُلع باب الشقّة، وإذ برجال المخابرات يُطلقون النار ويكبّلوني بعد أن بطحوني ارضاً ثمّ فتّشوا جميع الغرف فوجدوا في الحمام مواد تستخدم في التفجير، نقلوها إلى المطبخ وصوّروني إلى جانبها وعمدوا إلى توقيفي”.
لم تُقنع رواية الشاب رئيس المحكمة فسأله: “لماذا إستخدمت مع “أبو جميل” كلمة سرّ إذاً، ولماذا لم تحضر عدّتك إلى الورشة أوأقّله لماذا لم تذهب أنت لإحضار المتر أو لما لم تُرافق “صاحب الشقّة، أولم تُجر إتصالا بوالدك أعطيته رقما ليتصل عليه إن لم يتمكّن من لإتصال برقمك؟”. ردّ المتهم:” ظننت أنّ كلمة السر “حيدر” تعني إسمه والرجل الذي في الشقّة هو الذي طلب منّي إنتظاره بضع دقائق فها أرفض؟ أمّا الرقم الذي أعطيته لأبي فهو رقم “أبو جميل” لأنّ شحن الهاتف قد أوشك على الإنتهاء”.
“لكنّك اعترفت في الإفادة الأوّلية أنّك كنت تريد تصنيع عبوة كبيرة ووضعها بوعاء بلاستيك مخصّص لزرع الأزهار كي لا تُثير الشبهة وهذا أمر خطير”، قال العميد عبدالله. فأجاب المتهم: “هذا غير صحيح وأنا أعرف أنّ تي أن تي+ صاعق +شريط = عبوة قابلة للتفجير. سيدي كلّ القضيّة فخّ بفخّ”.
أمّا الموقوف “عبدالله” فأقرّ أنّه كان يُعاون شقيقه “مجد” في تحميل العبوات والقساطل المستخدمة فيها في سوريا مشيراً إلى أنّ شقيقه كان مشرفاً على كتيبة الهندسة، نافياً علمه بتصنيعه متفجرات في لبنان.
وإزاء تأكيد المتهم على انّ توقيفه كان في شقّة حديثة، فيما تقول التحقيقات الأوليّة أنّ التوقيف جاء في خيمة للسوريين، طلبت المحكمة
التحقّق من الأمر وإيداعها عنوان ورقم هاتف صاحب الشقة أو الأرض المقامة عليها الخيمة لتقرّر طلب صاحب العلاقة وأرجأت الجلسة إلى 9 حزيران المقبل.