الأحد 14 نيسان 2024 14:19 م

الردّ الإيراني .. يسبق الردود المقبلة: "الحزب" ليس وحيداً...


* جنوبيات

خلال سبعينيات القرن الماضي كان "الشاه المخلوع" محمد رضا بهلوي يتباهى أمام زواره من ديبلوماسيين وإعلاميين بعلاقاته الاستراتجية مع العدو الصهيوني، حين كان لطهران سفارة في الكيان الغاصب مثلما كان للكيان سفارة في طهران، في زمن وصل فيه التنسيق الى أعلى مستوياته قبل "الثورة"، لدرجة أنّه تم إنشاء مدرسة خاصة باللغة العبرية لأولاد عائلات المستشارين الصهاينة الذي وصل عددهم لأكثر من 500 عائلة، في دلالة واضحة على أريحية العلاقة أيام الحكم "البهلوي"، حيث كان العدو الصهيوني يعتبر أنّ العلاقة الودّية مع "الشاه" تؤمن له بُعداً جيوستراتيجياً في إيران، من حيث تميزها بالموقع، والحجم، والاتصال بالخليج والمحيط، والموارد والتنوع السكاني...، وأنّ أي تغيير في نظام الحكم سيؤدي إلى مضاعفات "دراماتيكية" على الكيان الصهيوني، ويضعه بالتالي بموقع المواجهة ضد أي نظام بديل، مما يرفع من منسوب خطر التهديد العسكري على جبهتيه الشمالية والشرقية، من هنا دأب الموساد على مضاعفة نشاطه في الداخل الإيراني، حيث حذّر لأول مرة في أواخر العام 1977 حليفه "الشاه" من ثورة قد تطيح بعرشه على غرار ثورة العام 1953, وفي يونيو 1978 نقل "موشي دايان" وزير الخارجية الصهيوني إلى "الشاه" معلومات استخباراتية بأنّ حكمه سيتعرض في صيف 1978 لهزة عنيفة، وبناء على هذه المعطيات أعدّت حكومة العدو خُطَتَها الأمنية والعسكرية للحؤول دون سقوط نظام "الشاه"، بحيث لم توفر وسيلة في الدفاع عنه إلا واستخدمتها، وذلك من خلال:

1. التنسيق مع نظرائها في الاستخبارات الفرنسية لمراقبة أنشطة "الإمام الخميني" خلال فترة تواجده في فرنسا ومدى ارتباطه بمجريات الأحداث في إيران.
2. قدم المستشارون الصهاينة نصيحتهم "للشاه" بعدم التهاون في التعامل مع المتظاهرين عبر إعطاء الأوامر للجيش بإطلاق النار عليهم قبل تدهور الأوضاع هناك.
3. أرسل العدو في 22 يونيو 1979 وحدة من القوات الخاصة قوامها حوالي 400 ضابط وجندي مدربين على القتال في الأماكن الآهلة إلى مدينة طهران بقيادة "رحبعان زئيفي"، وقد نُقلت بواسطة شركة طيران العال، بالهندام العسكري للجيش الإيراني، وفي خطة للتغطية عليها روجّت وسائل الإعلام في الحكومة الإيرانية إلى أنها فرقة من إقليم بلوشستان الواقع في جنوب شرق إيران، حيث ساهمت هذه الوحدة في قتل الآلاف من المدنيين العزل. إضاغة لإرسالهم وحدة خاصة من الجيش لحماية "الشاه" من محاولات الاغتيال أو الانقلاب عليه من قبل بعض الضباط في الجيش الايراني.
4. إطلاق جسر جوي من مطاري اللّد ورامات دافيد العسكريين في الكيان المحتل، إلى طهران لنقل معدات عسكرية حديثة تحتوي على غازات مسيلة للدموع وأخرى للأعصاب تُستعمل لتفريق المتظاهرين، إضافة إلى وسائل تعذيب جديدة لأغراض التحقيق.
5. إقدام جهاز الموساد على تسليح بعض من الجالية اليهودية الإيرانية في الخفاء، وقد استُخدم البعض منهم في قمع المتظاهرين.
وعلى الرغم من إجراءات العدو هذه وغيرهم من أجهزة الاستخبارات الدولية للحؤول دون انهيارنظام "الشاه"، فإنها لم تردع الطوفان البشري في الخروج لاسقاط النظام الديكتاتوري… وعندما بدأت زمام الأمور تأخذ منحى "الثورة"، عملت السفارات الأجنبية على إجلاء رعاياها من طهران، ولا سيما السفارة الصهيونية التي باشرت في 6 نوفمبر 1978 بإجلاء عائلات الدبلوماسيين لديها. وبعد انتصار الثورة في اوائل فبراير 1979، أعلنت إيران قطع كل العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الكيان، وعدم اعترافها بشرعية ما يُسمى "الدولة الإسرائيلية". ليُغادر آخر 12 دبلوماسياً صهيونياً مدينة طهران يرافقهم موظفو شركة الطيران العال، في وقت أقدم الثوار الإيرانيون على احتلال سفارة العدو رافعين يافطة كبيرة كتب عليها "سفارة فلسطين"، في مشهد أذلّ العدو باعتبارها في القانون الدولي ما زالت أرضاً صهيونية، وما زاده إحباطاً المشاهد الافتتاحية لسفارة فلسطين مكان سفارته يوم 19 فبراير 1979 كأول سفارة فلسطينية على المستوى العالمي، فخلّفت لديه حقدا دفينا على إيران "الثورة"، عزّز ذلك انتشار المفهوم العقائدي الاسلامي للصراع ضد العدو الصهيوني، مع انحسار القومية العربية وتراجع الاشتراكية الثورية إثر معاهدات السلام مع بعض الدول العربية، وتفكك الاتحاد السوفييتي…
ولأنّ أساليب الحقد والثأر والحماقة لدى العدو تتفوّق لديه على أساليب المنطق والوعي والإدراك، أقدم في خطوة خطيرة على كسر قواعد الاشتباك مع "الحرس الثوري الايراني" في سوريا متجاوزاً الأعراف والقوانين الدولية، وفي دلالة واضحة أنه لم ينس "بانوراما" ما حدث لسفارته في طهران على الرغم من مضي حوالي 45 عاماً عليها، شنّ يوم 1 أبريل 2024 غارة جوية على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث ارتقى 7 إيرانيين شهداء بينهم القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني، العميد محمد رضا زاهدي في استهداف مباشر…
وبعد إعلان إيران أنها سترد على الاعتداء في إطار حقها المشروع في ذلك، تسارعت الاتصالات الدولية على خط الجمهورية الاسلامية في محاولة لثنيها عن الردّ، وفي المعلومات أنّ الكيان المحتل أقترح على ايران عبر وسطاء عدة أهداف للردّ خارج الأراضي المحتلة، فرفضت ذلك، لتهاجم  ليل 13- 14 أبريل 2024 ولمدة 5 ساعات منشآت عسكرية داخل الكيان المحتل في ردّ محدود لكن رسائله عديدة توزعت في كافة الإتجاهات، أولها ل"واشنطن" تقول فيها: "نعلم أنكم كنتم تعلمون مسبقاً بعملية الإستهداف لقنصليتنا في دمشق، لذا أوقفوا الحرب على غزة والجموا نتنياهو الذي يريدها حرباً أقليمية"... وثانيها: إن كان لا بد من حرب إقليمية فلتكن ولنذهب إلى تصعيد أوسع وهجوم أشمل وأقسى من هذا... وثالثها: أنّ إيران لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام أي هجوم لجيش الاحتلال على لبنان في استهدافه المباشر ل"حزب الله"،... ومن دون الخوض في تفاصيل الأرقام والاصابات، فإنّ النتائج الأولية لهذا الهجوم، هي على الشكل التالي:
1. قفزت إيران من دورها كلاعب إقليمي إلى لاعب دولي أساس ليس بالنسبة للقضية الفلسطينية فحسب بل في قدراتها على التأثير في الصراع الجيوسياسي العالمي في ظل إمكاناتها الاسترتجية على تهديد الأستقرار العسكري والأمني والأقتصادي الدوليين.
2. إظهار مدى شجاعة وجدية القيادة الإيرانية، بالرغم من التحذيرات الغربية بالتهدئة وعدم الرد.
3. إظهار الكيان الغاصب بموقع الضعيف الذي يحتاج لمن يدافع عنه، بعد مشاركة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالتصدي للهجوم الصاروخي الإيراني، ما وضعها بمواجهة مباشرة مع هذه الدول.
4. الخسائرالأقتصادية الإضافية للكيان وحالة الهلع التي تسببت بها الحرب النفسية التي مارستها القيادة الإيرانية من جراء تأخيرها الردّ لأسبوعين.
5. الخسائر المادية الصهيونية من جراء التصدي للهجمات الإيرانية والتي تجاوزت المليار دولار، إضافة إلى حالات الرعب التي اصابت المستوطنين، حيث نجحت في صناعة نقمة حادة على نتنياهو وفريقه.
6. فرض قواعد إشتباك جديدة مع الكيان تتلخص بالردّ على الكيان الغاصب عند كل عملية هجوم أو اغتيال لشخصيات إيرانية.
7. تأكيدها على وحدة الساحات، وأنها ليست جبهة منفصلة عن محورالمقاومة.
وفي خطوة لإستباق الردّ الصهيوني هددت القيادة الإيرانية "واشنطن" من مساعدة العدو في ردّه وهنا تطرح الأسئلة نفسها، ماذا ما بعد الرّد الإيراني؟ حيث على الرغم من تصريحات قادة العدو بحتمية الردّ فإنّه أمام 3 خيارات: إمّا أن يبتلع مرارة عدم الردّ على مضض ويرضى بقواعد الإشتباك الجديدة، وإمّا أن يُكمل نهج الإغتيالات لشخصيات في الحرس الثوري والعمليات الارهابية في الداخل الإيراني، وبالتالي يتحمل الردّ الإيراني على جرائمه، وإما أنّ يجرّ معه منطقة الشرق الأوسط إلى تصعيد إقليمي شامل في ردّه على الردّ الايراني، من خلال قيامه بخطوة جنونية عبر شنّه هجمات مباشرة وعنيفة لمنشآت داخل الأراضي الايرانية، لكن دونها عقبات أولها ضرورة تعاونه مع القوات الجوية الأمريكية لنجاح العملية، وثانيها التهديد الإيراني للبلدان التي قد تفتح اجواءها للطيران المعادي في إشارة إلى كل من الاردن والعراق والسعودية وتركيا، وثالثها الأستعانة بإحدى الدول المجاورة والمعادية لإيران قاعدة انطلاق للوصول إلى أهدافه في الداخل الإيراني في إشارة واضحة إلى أذربيجان التي تعهدت سابقاً للعدو بالسماح له باستخدام مطاراتها في حال هجومه على منشآت ايران النووية … فمن سيعاونه على هذه الأمور؟ حيث لا مصلحة لهم في ذلك سوى مسايرة الحماقة الصهيونية بحماقة أكبر...

المصدر :جنوبيات