في الحي الذي تعرض للزحل في البيسارية، هناك ستة مبان سكنية، اثنان منها قيد الإنشاء. المباني شيدت على نحو تدريجي خلال الخمسة عشر عاماً الماضية بترخيص من التنظيم المدني بحسب رئيس البلدية فؤاد مشورب. قبل إنشاء المباني وخلال الورشة، كان الحي القائم فوق سفح تربته كلسية ويجري من تحته نبع ماء، يتعرض للإنزلاق عاماً بعد عام.
في فصل الشتاء الماضي، انهار حائط دعم بارتفاع أكثر من عشرة أمتار، كان قد استحدثه صاحب أحد المباني ليضع حاجزاً بين المبنى وانزلاقات التربة التي تتكرر. ما فعله لمواجهة الإنزلاقات، إعادة تشييد حائط دعم جديد بسُمك اسمنت أكبر. هو وجيرانه كانوا يلاحظون اتساع التفسخات في الأرض وحيطان الدعم المحيطة بمنازلهم. أما جارهم صاحب المشروع السكني، فقد شيد المبنيين فوق تلة من الردم. وبرغم أن أحد المبنيين كان يميل نزولاً، إلا أنه تابع الإنشاء واضعاً كميات من الردم في أسفل المبنى، ظناً منه أنه يوقف الميل.
مع بداية فصل الشتاء، منذ شهر تشرين الأول الفماضي، زادت التفسخات بسرعة قياسية. استنجد السكان بالبلدية التي طلبت بدورها من الوحدة الهندسية في اتحاد بلديات ساحل الزهراني الكشف على الحي. إلى أن استفاق الأهالي صباح السبت الماضي على فالق يحاصر بيوتهم ويقطع الطريق من حولهم. كل هذا ولم يغادر السكان منازلهم. فمن المسؤول عن مصيرهم؟
خلال جولته على الحي، رفض نقيب المهندسين خالد شهاب تحديد السبب النهائي للإنزلاقات، لكنه رجح وجود مشكلة في التربة. وعن دور المهندس الذي وقّع رخصة البناء، ما دامت التربة لزجة، قال شهاب إن «تراخيص التنظيم المدني كلها صحيح، لكن المشكلة بالتنفيذ». أشار إلى أن حيطان الدعم التي انهارت، لم تشيد فوق أساسات متينة. مع ذلك، فإنه تعهد أن تتحمل النقابة المسؤولية اذا بينت الدراسة خطأ من أحد المهندسين.
بحسب القانون، فإن المسؤولية يتحملها أولاً المهندس. الرخصة التي تقدم إلى التنظيم المدني للموافقة على إنشاء ما، تستند إلى دراسة هندسية موقعة من المهندس المختص. وتشترط القوانين أن يشرف المهندس على ورشة البناء من الحجر الأول إلى التشطيب النهائي، لأنه يتحمل مسؤولية البناء لمدة عشر سنوات بدءاً من تاريخ تشييده. فهل أشرف المهندسون المعنيون على ورش البيسارية؟ وماذا عن دور البلدية؟
في بلدية البيسارية ما من جهاز فني تابع لها أو فريق مختص بالإشراف على ورش البناء الجارية في نطاقها؟ لكن لماذا لم تستبق وقوع الكارثة وتتخذ إجراءات حازمة قبل تطور الأمور؟
برغم مرور خمسة أيام على قرار محافظ الجنوب منصور ضو بإخلاء المباني المتضررة فوراً حفاظاً على السلامة العامة، فإن سكانها لا يزالون يبيتون ليلتهم فيها. «القصة ليست سهلة» يقولون. «البحث عن منزل بديل واستئجاره وتأمين التكاليف ونقل الأغراض إليه تستلزم أسابيع» يقول أحد السكان، علماً بأن بلدية البيسارية لم تسلم بعد إلى المحافظة، لائحة بأصحاب المباني المتضررة لتحويلها إلى الهيئة العليا للإغاثة لصرف بدل إيواء لكل عائلة. شهاب جزم بأن المباني آيلة للهدم لأن تدعيمها غير مضمون ومكلف أكثر من الهدم.
حتى انتهاء الدراسة التي تستلزم أسبوعين لتحديد سبب الإنزلاق، يبقى مصير التعويضات معلقاً. يرجح أن الإنزلاق ليس ناجماً عن كارثة طبيعية، وعليه فإن الهيئة ليست معنية بالتعويض على الأهالي. فمن يتحمل خسائرهم؟ الخسارة الأكبر للأشخاص الأربعة الذين اشتروا شققاً في المبنى السكني المائل.