لا يمكن لرئيس جمهورية آتٍ من خلفية عسكرية ان يفكر بتوقيع عفو عام، بل من الممكن ان نتوقع أن يفكر بتوقيع تطبيق أحكام الإعدام وتعليق المشانق، هذا ما يقال في الشارع اللبناني، فلا أحد يريد العفو العام في كل لبنان سوى المطلوبين والموقوفين والمحكومين وأهلهم، وسوى بعض النواب الطامحين مجددا لمقعد في دائرتهم عبر بيع الكلام لأهالي الموقوفين والمحكومين، كما لرؤساء العصابات والمخلين بالقانون.
بعد الحرب الأهلية قلنا: "عفا الله عما مضى" وحُكمنا من قبل أمراء حرب لا يزالون يتحكمون برقاب الشعب اللبناني حتى الساعة، وإذا صدر العفو العام فسنحكم من قبل العصابات على اشكالها وانواعها وأحجامها، ومن قبل الإرهابيين الذين ينتظرون خروجهم لكي يتنشقوا مجددا رائحة البارود والـ"تي أن تي".
نذكر منذ سنتين تقريباً عندما تم تفكيك شبكة إرهابية كبيرة في سجن رومية عبر ضبط غرفة مراقبة واتصالات كانت تنفذ العلميات الإرهابية في لبنان من داخل جدران السجن، فماذا حصل لتلك الخلية؟ فهي اصلا في السجن، ويريدون خروجها اليوم مجددا الى الحرية المطلقة.
في لبنان، لا يوجد نظام لتأهيل السجين خلال مدة سجنه لينخرط في المجتمع ويتعلم مصلحة يعمل بها لدى خروجه، حتى يبتعد عن المخدرات او الجريمة او السرقة او اي شيء أوقف بسببه، فكيف يمكننا تصنيف هذا الشخص بأنه اصبح صالحا للخروج من السجن وذاك بأنه لا يمكنه الخروج؟ أما التفكير اللبناني فهو ينصب في الـ6 و 6 مكرر، اي التوازن في العفو العام بين الطوائف، فإذا كنا نريد الافراج عن الاسلاميين في الشمال فعلينا ان نفرج عن تجار المخدرات وعصابات الخطف والسلب والسرقة في البقاع، كما العفو عن اللبنانيين الذين فروا الى اسرائيل. فهذا منطق مرفوض اليوم وخصوصا في ملفات كهذه.
لا تحلموا بالعفو العام في لبنان بعد اليوم، لأن الشعب بغالبيته الساحقة يرفض هذا الأمر، وهذا الامر يحتاج لاستفتاء شعبي حقيقي، لأن والدة قتل ابنها لا يمكنها ان تشاهد قاتل ابنها حرا وينعم بحياته، ولأن شخصاً خطف وعذب لا يمكنه ان يعرف ان جلاده عاد الى الحياة، كما ان والدة مات ابنها بسبب المخدرات لا يمكنها ان ترى الذي باع ابنها المخدر عاد الى نشاطه. كذلك فان والدا ووالدة استشهد ابنهما العسكري على يد ارهابيين في عرسال وعبرا ونهر البارد لا يمكنهما ان يفكرا يوما بأن الإرهابي حر طليق يكمل حياته بشكل طبيعي. كما ان ارهابيا دبر وفجر الآمنين وقتل المواطنين لا يمكن ان نشاهده يمر قرب مكان التفجير ويلتقط "سيلفي" في المكان، ولا نحتمل ان نرى احمد الاسير مجددا ينظم رحلات الى الثلج في كفردبيان ويخطب كل يوم جمعة بلسان الفتنة.
إذا كنتم تريدون العفو العام لفئة من الشعب، فبقية الشعب الساحقة تريد عندها السماح لها بالثأر ممن ارتكب الجرائم بحقها.
بدأنا نرى تنسيقا في قطع الطرقات من الشمال الى البقاع وبدأنا نسمع بأصوات سياسية تطالب بعفو عام، فمن جراء قطع الطرقات على المواطنين من كان يفكر بالعفو العام ويتعاطف معكم فهو اصبح ضدكم، فما هو ذنب الشعب الذي قتل على أيدي اولادكم ليعلق لساعات في السيارات؟ فكيف تريدون التعاطف معكم من قبل الشعب وانتم تقطعون الطريق عليه وتشعلون الإطارات وتشتمون من يتكلم معكم؟
بالأمس سمعت احد اهالي المحكومين في البقاع يقول عبر التلفاز: "هذا الاسبوع التحركات وقطع الطرقات سلمية، اما في الاسبوع المقبل فهي لن تكون سلمية"، فربما يريد هذا الوالد الجلوس الى جانب ابنه في الزنزانة ذاتها. وسمعت آخر يقول ان "البقاع محروم ولا إنماء ونريد العفو العام"، فإذا كان الإنماء معدوما فهل تعملون في المخدرات والخطف والقتل والسلب؟
هل تعلمون ان من بين من كان في الشارع في البقاع وبيروت والشمال مطلوبين الى القضاء وكانوا يسرحون ويمرحون ويحرقون الإطارات أمام اعين الأجهزة الامنية؟ هلى تعلمون ان هناك 4000 آلاف مطلوب من البقاع عليهم 35 ألف مذكرة توقيف في جرائم مختلفة ومنها امور مخيفة وهم لا يزالون فارين من العدالة؟ وهل تعلمون أن هؤلاء واهاليهم يريدون "بشخطة قلم" إلغاء كل هذه الجرائم البشعة وان يعودوا الى عملهم مجددا؟
هل تعلمون ان الاسلاميين في طرابلس يطالبون بالعفو العام لكي يعود الى الشارع مئات الموقوفين والمحكومين بالإعدام والمؤبد، ومنهم من شارك في قتل الجيش في نهر البارد وعبرا وقتل الجيش في عرسال، ومنهم من انتمى الى داعش والنصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية وملفات تفجيرات متعددة وملف نعيم عباس واحداث بحنين وغيرها من العمليات الإرهابية؟
هل تعلمون ان هؤلاء يطالبون ايضا بإلغاء 11 ألف وثيقة اتصال بينها وثائق بحق عدد لا يستهان به من الإرهابيين وخصوصا من شمال لبنان، ليعود هؤلاء لمزاولة نشاطهم ولكي يتنقلوا بحرية؟ فحريتهم مأسورة اليوم فهم لا يستطيعون تطبيق مخططاتهم بحرية.
آخر عفو عام حصل في لبنان في العام 1996 وشمل في حينها جرائم المخدرات، وكما نظن اليوم فهو من الأحلام وخصوصا في عهد الرئيس ميشال عون ان يتم توقيع عفو عام وخصوصا عمن خرب البلاد وافسدها، فلا يمكن ان يستبيح هؤلاء لبنان مجددا وهم لم يخضعوا لأي تأهيل، بل انحرفوا الى كل الآفات في السجن وبنوا علاقات متينة مع بعضهم البعض واصبحوا يشكلون تحالفات وقوى على الارض.
البعض يحاول اليوم استغلال قرب الانتخابات النيابية لهذا الغرض وخصوصا في طرابلس وفي البقاع لإرضاء شريحة كبيرة من المواطنين بهدف التصويت لهم. لهؤلاء نقول إبنوا زعاماتكم على الديمقراطية وليس على ظهر محكومين وموقوفين ومطلوبين عاثوا في الارض فسادا وقتلا ودمارا.