الجمعة 10 أيار 2024 20:48 م

بالنظام - مبدأ الشرعية


* جنوبيات

العام الماضي ولدى نظره بالطعن بقانون #التمديد للمجالس البلدية والاختيارية بنسخته السابقة، أكد المجلس الدستوري بأن ذلك القانون مخالف لمبدأ دورية الانتخابات ذي القيمة الدستورية، ومخالف للفقرة " هـ" من مقدمة الدستور وللمادة 16 منه. ولكنه رغم ذلك تبنى المنطق السياسي الراغب بالتمديد وقرّر عدم ابطال القانون عملا بمبدأ استمرارية المرفق العام(القرار رقم 2023/6).

قرار المجلس الدستوري المذكور الذي صدر بالأكثرية، احتوى الكثير من القواعد التي لم تتوافق مع النتيجة التي انتهى إليها والتي لو تم أخذها في الإعتبار اليوم من قبل مجلس النواب، لما أقدم الأخير على تمديد غير دستوري آخر. ولكن وخلافاً لما ظنه المجلس الدستوري ربما، إن ما يهم أهل السياسة هو النتيجة وليس الحيثيات القانونية التي تضمنها القرار. ولهذا أعاد مجلس النواب كرّة التمديد منطلقاً من أن المجلس الدستوري برّر له في المرة السابقة فعلته ولعله يجد له تبريرات أخرى اليوم.

قرار المجلس الدستوري لم ينطبق على منهج العمل المستمد من طبيعة مهمته وهي الرقابة على شرعية القوانين.

الرقابة على الشرعية بطبيعتها لا تحتمل الخروج عن منهجية بسيطة وهي الاجابة على سؤال بنعم أو لا. والسؤال هو هل تتوفر في القانون المطعون فيه مخالفة دستورية أم لا، ليَتمّ بالتالي اصدار القرار بإبطال القانون أو بردّ الطعن.

ما حصل في قرار المجلس الدستوري العام 2023 أنه خرج عن هذه المنهجية، وبعد أن تثبّت من وجود مخالفة للدستور وبدل أن يقرر قبول الطعن وإبطال قانون التمديد، بحث عن تبرير للنتيجة التي اعتمدها.

مبدأ الشرعية يعني وجوب انطباق أعمال السلطات على النصوص والقواعد التي تعلوها (في هرم كلسن). يراقب هذا الانطباق المجلس الدستوري بما يتعلق بأعمال السلطة التشريعية، ويراقبه مجلس شورى الدولة بما يتعلق بأعمال السلطة التنفيذية.

يعتقد بعض من يتولون السلطة أن لا حدود لسلطتهم، ويظن بعضهم ويتصرف على قاعدة أن صلاحياته تشمل ما يتمكن فعلياً من القيام به وليس ما تجيزه الشرعية. لذلك تجد مثلاً وزير داخلية يصدر تعميماً يسمح بموجبه للبلديات أن تعطي الموافقة على البناء خلافاً لقوانين البناء. هذا يخالف مبدأ الشرعية ولكنه لم يَحُلْ دون الإقدام عليه لسبب بسيط وهو أن الضابطة المولجة قمع المخالفات تمتثل لتعميم الوزير لأنها ترتبط به برابط تسلسلي فتضع القانون ومبدأ الشرعية جانباً وتلتزم بالتعميم.

لكن حين عُرِض الأمر على مجلس شورى الدولة تبين أن هنالك من لم يفقد البوصلة وطُرح السؤال المنهجي حوّل توفر المخالفات القانونية في التعميم ولم يلتفت للمبررات الواقعية بل مارس رقابته على قاعدة حماية مبدأ الشرعية واعتبر التعميم المذكور باطلاً. (القرار رقم ٧٣ تاريخ 15-11-2022، برئاسة القاضي يوسف الجميل وعضوية المستشارين هدى الحاج وميرا مسلماني)

أما المجلس الدستوري الذي لم يلتزم سابقاً بهذه المنهجية، سوف يبحث مجدداً قانون تمديد ولاية المجالس البلدية الأخير. وهو مدعوّ لاستعادة دوره في حماية مبدأ الشرعية وعدم البحث عن تبرير لمخالفات السلطة التشريعية. ذلك أنّ وزارة الداخلية والبلديات أعلنت جهوزيتها لإجراء الانتخابات ولا خوف من عدم استمرارية المرفق العام، والذريعة المستمدة من الاعتداءات الاسرائيلية تنحصر في منطقة محددة ويمكن حصر التمديد بالمدى الجغرافي المطلوب فقط، وتلافي النتائج السلبية للتمديد على المستوى الوطني وعلى مبدأ الشرعية.

المصدر :النهار